من تتبع البرقيات والتصريحات التي صدرت من مختلف دول العالم، بشأن
التفجير الذي حدث في قرية الديه وراح ضحيته ثلاثة من رجال الأمن يلاحظ
أمرين أساسيين في مواقف جميع هذه الدول، وهذان الموقفان طالما نادينا بهما
وأصرت القوى الوطنية المعارضة على تطبيقهما، الموقف الاول هو إدانة العنف
والأعمال الإرهابية من اي جهة كانت، اما الموقف الثاني فهو دعوة هذه الدول
للدخول في حوار جاد يخرج البحرين من أزمتها المستمرة منذ اكثر من ثلاث
سنوات.
إن إصرار مختلف دول العالم على اجراء الحوار يعني ان هذه
الدول ترى ان هناك أزمة سياسية حقيقية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها،
وهذه الأزمة لا يمكن حلها بالطرق الأمنية وتطويق القرى والمدن بالاسلاك
الشائكة أو حتى نصب المئات من نقاط التفتيش على مداخل ومخارج القرى، وإنما
بتوافق وطني تجمع عليه مختلف القوى السياسية في البحرين.
الجميع
يتذكر ما خرجت به المراجعة الدورية لملف حقوق الانسان في الامم المتحدة
وكيف أصدرت دول العالم 167 توصية يجب تطبيقها في البحرين بالاضافة لما
قدمته لجنة تقصي الحقائق أو ما تسمى بلجنة بسيوني من توصيات التزمت السلطة
بتنفيذها. لا يمكن لأي عاقل أن يتجاوز كل ذلك باتهام دول العالم والمنظمات
الحقوقية بالتجديف على البحرين ومعاداة السلطة فيها، فالبحرين ليست
«الاتحاد السوفياتي» لكي يعاديها الجميع.
لقد فقدنا جميعاً سواء في
المعارضة أو السلطة أرواحاً عزيزة ودماء بريئة، ما كانت لتهدر لو أن
العقلاء في هذا الوطن اتخذوا موقفاً آخر، ولو كان المنطق والحوار هو
الأسلوب الوحيد لحل الخلافات ولو لم تطغَ المصالح الخاصة على مصلحة الوطن
وأبنائه.
لقد أثبتت «معركة كسر العظم» فشلها في البحرين كما فشلت في
جميع أنحاء العالم، كما ان اللعب على عامل الوقت أو انتظار ما تسفر عنه
الأوضاع الإقليمية من توافقات وترتيبات بين الدول العظمى لن يحل الأزمة
السياسية في البحرين، فجميع المؤشرات تدل على أن الوضع آخذ في التطور نحو
الأسوأ، كظهور جماعات متطرفة كل همها الانتقام والتهديد بحرق قرى معينة
وعدم الوصول الى حل سياسي متخذة من شعار «تطبيق الشريعة الاسلامية» ككل
التكفيريين مبدأ للتعامل مع المطالب الشعبية ولكي لا نصل الى مرحلة من
الصعب التراجع عنها، ولكي لا ندخل في دوامة من العنف والعنف المضاد، يكفي
ان نستمع لصوت العقل وأن نأخذ بنصائح الدول الاخرى التي يمكن انها مرت
بتجارب مريرة لا تريد للبحرين ان تدخل فيها… كل ما علينا هو ان نوقن بأن
الجور والظلم زائل وأن العدل أساس الملك وأن التحاور والنقاش هما الطريق
الصحيح لحل الخلافات وأن الوحدة الوطنية هي أغلى ما تمتلكه الشعوب.
جميل المحاري