المنشور

رعب وهستيريا

حالة الرعب والهستيريا التي يعيشها البعض عند الحديث عن أي حوار، أو أي
إمكانية للوصول إلى حل توافقي، ومهما كان هذا الحل، لا يمكن تفسيره إلا
بتفسير واحد لا غير، وهو حرق جميع مراكب العودة، فإمّا إبقاء الوضع على ما
هو عليه وإمّا فليقضى على الجميع في صراع لا نهاية له.

هذا البعض ومن
خلال ما بثه من بغض وكراهية بين أبناء الوطن الواحد يعرف قبل غيره أن لا
مكان له في مجتمع متصالح ومتحاب، وإن من ظل يزرع الشوك والحنظل لا يمكن له
أن يرى الأزهار متفتحة في شوارع الوطن، ومهما كان ما قبضه من ثمن فإن هذا
الثمن يبقى تافهاً عند مقارنته مع الذل والعار الذي ألحقه بنفسه حين يكتشف
الجميع ما مارسه من تضليل وكذب طوال هذه السنين، ولذلك هو يرفض أي حل ويقف
أمام أي مصالحة وطنية.

طوال السنوات الماضية لم نجد في خطابهم ولو
مفردة واحدة تدعو إلى الوحدة الوطنية أو محاسبة المسئولين عن الانتهاكات
والسرقات أو محاربة التمييز بين الناس بسبب معتقداتهم الدينية أو المذهبية
أو الأهداف الخفية لعملية التجنيس السياسي والتي يدفع ثمنها الجميع من
أبناء هذا الوطن ولم نسمع منهم حرفاً واحداً يدين عمليات القتل خارج
القانون أو انتهاكات حقوق الإنسان وإنما كل ما سمعناه منهم هو تبرير لكل
ذلك.

تناسوا عن عمد كل ما جاء في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة
لتقصي الحقائق، وكل ما يذكرونه من هذا التقرير هو أن الدولة أنجزت جميع
التوصيات التي جاءت فيه، لماذا هذه التوصيات؟ وما هي مدلولاتها؟ ولماذا
وكيف أتت؟ هم لا يتحدثون عن ذلك ولا يودون.

هؤلاء هم أول من يأخذ
وآخر من يعطي، فلا يهمه أن تقترض الحكومة مليار دينار في العام 2001، في
حين أن العجز في الموازنة لا يتعدى 30 مليون دينار، ولم يتساءلون قط أين
ذهبت 970 مليون دينار تتحملها الدولة كديون يتحتم دفعها إن آجلاً أو
عاجلاً، مادام فتات من هذا المبلغ يمكن أن يدخل في حسابهم الخاص في البنوك.

لستم
أنتم من يدافع عن الوطن، فمن يحب وطنه يحب جميع أبناء وطنه، ولستم أنتم من
تحمون حالة السلم الأهلي من خلال تأليبكم السلطة على استخدام البطش ضد
الشعب، إنما أنتم مجرد خرقة بالية تُستخدم لمسح الأوساخ ثم ترمى في القمامة
عندما تهترئ تماماً.

دعوا الناس لتعبر عن آرائها ولتطالب بحقوقها،
ولتكتفوا بما نلتم من عطايا حتى الآن، فمهما كانت هذه الفترة صعبة وحرجة،
ومهما كان الأمر يبدو مستحيلاً، فإن الحل لا بد وأن يأتي وإن المصالحة
الوطنية لا بد وأن تتحقق.

جميل المحاري