في تغطيته لجلسة المحرق البلدي، كشف الزميل صادق الحلواجي أمس عن وجود أشخاص يمتلكون أسلحةً هدّدوا بها موظّفي هيئة الكهرباء.
الخبر
نشر في الصفحة الأولى أمس، نقلاً عن مدير إدارة خدمات المشتركين بهيئة
الكهرباء والماء، الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، الذي أعلن عن قطع التيار
عمّن يرفض بتاتاً أية تسوية أو دفع ولو بالتقسيط، وأضاف أن «هناك من أغلقت
عليه محطة وشارف على الموت داخلها».
هذا الكلام الخطير ليس من
ادعاءات المعارضة، ولا من جهات مشبوهة تحاول تشويه صورة البحرين، وإنّما
كلام مسئول رسمي ينتمي للعائلة الحاكمة، ويتكلم عن مشاكل هيئة حكومية، تريد
تطبيق القانون واستحصال الديون.
شخصياً ودفعاً لأي لبس، أؤمن بأن
دفع رسوم الماء والكهرباء واجبٌ مستحقٌ على المواطن، فهي خدماتٌ تقابلها
التزامات، وتترتب عليها حقوق أيضاً. هكذا تجري الأمور في كل دول العالم،
وهكذا كنا في البحرين حتى قبل سنوات، حيث كانت الأغلبية العظمى تلتزم بسداد
الفواتير المستحقة. ونادراً ما تلجأ الإدارة إلى قطع التيار حين يتراكم
المبلغ لظرفٍ قاهرٍ لعائل الأسرة.
الإشكال بدأ مع قرار مفاجئ للحكومة
بإسقاط ديون الكهرباء قبل سنوات. هذا القرار استفاد منه الأثرياء
والمتنفذون المتخلفون عن السداد لسنوات، أكثر من الفقراء الذين كانوا
يواظبون على الدفع كل شهر. وكشفت الصحافة حينها أن هناك وزراء ومتنفّذين
مدينون للكهرباء بعشرات الآلاف.
هذا الإجراء ولّد ردة فعل لدى قاعدة
واسعة مع الجمهور، فتحوّل الإشكال إلى مشكلةٍ تعاني منها هيئة الكهرباء.
وكان الحل الأسهل لديها، هو اللجوء إلى الوسيلة التقليدية التي كانت
تستخدمها منذ الستينيات، وهو قطع التيار كطريقة ضغط.
الموضوع لم يكن
عجزاً عن الدفع في كثيرٍ من الحالات، ولكنه وسيلة احتجاج غير معلن على واقع
التمييز في المعاملة، وسوء الإدارة، والعجز عن تطبيق القانون على الجميع،
وهو ما اعترف به ضمناً مدير إدارة خدمات المشتركين بهيئة الكهرباء. إنه
فقدان الثقة بالدولة وعدالتها في أجلى صوره، وهو ما ينبغي عليها العمل
لإصلاحه إن أمكن، ليقتنع الرأي العام بأنه لا وجود للتفرقة ولا التمييز بين
المواطنين، وأن الجميع سواسية عند تطبيق القانون، ودون محسوبيةٍ أو
محاباة.
إن ما كشفه مدير خدمات المشتركين يمثل تحدّياً للدولة
وأجهزتها، فهناك مئات الأسئلة التي يطرحها الناس في مجالسهم ومنتدياتهم:
أين تطبيق القانون على الجميع؟ ولماذا توجد أسلحةٌ لدى بعض المواطنين بحيث
يهدّدون بعض الموظفين العموميين؟ وهل هؤلاء فوق القانون؟ وكيف لا يتم
محاسبتهم بينما يُحاسب من يمتنع عن سداد فاتورة كهرباء؟ وأيهما أخطر على
الأمن العام ومصالح الدولة: من يهدّد بالقتل ويحجز حرية موظفين عموميين
ويعرّض أرواحهم للموت، أم من يتوقف عن دفع بعض الرسوم؟
مدير خدمات
المستهلكين حاول تفنيد المعلومات المثارة بشأن التمييز في عمليات التحصيل
وقطع التيار، لكنه عاد وأثبت ما كان يريد نفيه، حين اعترف بوجود أغلب
المجمعات في محافظتي المحرق والجنوبية، حيث تبلغ قيمة المتأخرات في الأولى
وحدها 14 مليون دينار، ثم المحافظة الوسطى، ويشمل ذلك القطاعين السكني
والتجاري، بما فيه من شركات ومصانع و… حتى الفنادق! وبعضها يزيد ديونه
على 12 ألف دينار؟ هل عرفتم سر الامتناع «الاحتجاجي» عن الدفع؟
ليس
حلّ هذه المشكلة في قطع التيار، ولا رفع التكلفة، ولا بالمنّ على الناس بأن
الدولة تبيعهم الخدمات بأسعار رخيصة، فذلك ليس في صالحها لأنهم يقارنونها
بدول الجوار. إنّما الحل بالبحث عن مصادر الإسراف والتفريط بالثروة
الوطنية، والتلاعب بالمال العام، والفاجعة الكبرى… استمرار تجنيس الآلاف
من أبناء البلدان الأخرى وما يضفيه ذلك على الموازنة العامة من أعباء
تستنزف البلد وتنهك الاقتصاد وتدفع الدولة قريباً للإفلاس.