وفقاً لبعض دوائر رصد التحولات الاجتماعية الناجمة عن تطبيقات السياسات النيوليبرالية New Liberalism الراديكالية في عدد كبير من بلدان العالم، فإن التوقعات تذهب الى احتمال تعرضها لهزات اجتماعية خلال عام 2014 الجاري نتيجة لاتساع فجوة اللامساواة وتراكم السخط الاجتماعي المصاحب لها . وقد وضعت وحدة الإكونوميست للمعلومات Economist Intelligence Unit- EIU التابعة لمجلة الإيكونومست البريطانية، 65 دولة من 150 دولة عاينتها (أي 43% منها) في خانة الدول عالية المخاطر الاجتماعية .
البطالة المرتفعة وانخفاض مداخيل الناس، لا يشكلان بحد ذاتهما دوما محركان لزعزعة الاستقرار ما لم ترافقهما أشكال أخرى من الهشاشة الاجتماعية المتزعزعة مثل اتساع فجوة المداخيل بصورة غير عادلة، ووجود حكومة ضعيفة، ومستوى خفيض من شبكات الدعم والأمان الاجتماعي والتوترات الإثنية وانعدام الثقة في الحكومات، وهو ما صار يُعبر عنه بأزمة الديمقراطية .
الاتحاد الأوروبي الذي يتابع عن كثب تقلبات الأحداث في العالم، صار يولي اهتماماً خاصاً ومتزايداً للجوانب المتصلة بضعف مؤسسات الدولة وتراجع كفاءة أدائها الإداري الكلي، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بما يشمل ذلك سوء ادارة وتوزيع المحصول السنوي لإجمالي الناتج المحلي .
موقع واشنطن الأمريكي في بحث عالمي أجرته مجموعة من الباحثين المتخصصين منهم كايل باس ولاري إيدلسون وتشارلز نينر وجيمس داينز وجيم روجرز ومارتن آرمسترونغ ومارك فيبر وآخرون، ونشره الموقع في 20 أكتوبر الماضي، يرسم صورة أكثر قتامة للبنى الاجتماعية في العديد من مناطق العالم المختلفة، حيث ستفضى إعادة هيكلة تريليونات الدولارات من الديون المتراكمة في الدول المتقدمة الى خسارة ملايين المدخرين لنسبة كبيرة من قدرتهم الشرائية الفعلية في أوقات حرجة من حياتهم . ومع أن هذه ليست نهاية المطاف بالنسبة لتماسك البنى الاجتماعية، إلا أنها ستؤدي الى تهتك نسيجها وفي بعض الحالات تمزقه . وللأسف الشديد فإن التاريخ – بحسب أولئك الباحثين – ينبئنا بأن الحرب هي المخرج البسيط من مثل هذه الدوّامات الاقتصادية .
المحلل المالي والاقتصادي السابق في غولدمان ساخس تشارلز نينر يقول ستكون هناك حرب كبرى ستهبط بمؤشر داو جونز الى 5000 نقطة (اليوم 23 يناير 2014 كان 4 .16000) . والمستثمر المخضرم جيمس داينز يرى بأنها ستكون على غرار الحربين العالميتين الأولى والثانية، وستشتعل أولا في منطقة الشرق الأوسط . أما لاري إيدلسون فيقول انه في ضوء متابعته لما أسماه ب”دورة الحروب” منذ ثمانينات القرن الماضي، فإن إرهاصاتها تتموج صعوداً في المجتمعات، من الفوضى الى الكراهية ثم الى حرب أهلية، وربما تالياً حرب عالمية، مضيفاً بأنه أسس رؤيته على أول راصد لهذه الظاهرة وهو ريموند ويلر الذي كان نشر أول تأريخ جازم للحرب غطى فترة من المعلومات والبيانات تبلع 2600 سنة من تاريخ البشرية .
بدوره يقول المستثمر البليونير جيم روجرز إن عمليات الإنقاذ والكفالة المالية الواسعة للمصارف والمؤسسات الرأسمالية المتهاوية في أوروبا (منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008)، يمكن أن تفضي في نهاية المطاف الى إشعال حرب عالمية بسبب بحث كل دولة منهارة مالياً عن كبش فداء، فيما يرى مارك فيبر بأن الحكومة الأمريكية هي من ستبادر الى إشعال الحرب رداً على تردي أوضاعها المالية والاقتصادية لتشد انتباه الشعب الأمريكي بعيداً عن معاناته الاجتماعية الداخلية .
رئيسة البرازيل الحالية دلما فانا روسيف، وهي الرئيسة ال 36 للبرازيل وأول امرأة تتقلد هذا المنصب الرفيع في بلادها، كانت قد علقت قبل عام من فوزها بمنصب الرئاسة البرازيلية، أي في عام ،2010 وذلك في حمأة المواجهات الكلامية بين الدول المتقدمة والدول الصاعدة، ومنها البرازيل، حول بوادر حرب العملات التي لجأ إليها بعض الدول لمعالجة مشكلة تراجع صادراتها ، علقت قائلة إنه في المرة الأخيرة التي شهدت سلسلة من عمليات خفض العملات لتعظيم تنافسية الصادرات السلعية، فقد انتهى الأمر باندلاع الحرب العالمية الثانية .
ومن دون إغفال مرئيات بعض كبار المستشارين الاقتصاديين ومديري المصارف المركزية التي تذهب الى أن الحرب تعتبر “وصفة جيدة” للاقتصاد(!)، إليكم ما كان أفصح عنه ألن جرينسبان الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، إذ أقر بأن الحرب التي شنتها بلاده ضد العراق كانت من أجل النفط . أما وزير الخزانة الأمريكي الأسبق بول أونيل فقد أكد أن التخطيط للحرب ضد العراق كان قد بدأ قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر! وهل يعني هذا أن جميع الدول الغنية بالنفط والغاز وموارد المدخلات الصناعية الخام الأخرى، هي عرضة للغزو تحت أي ذريعة يمكن تدبيرها وتلفيقها بكل يسر وسهولة! في ذات السياق تصب آراء المستثمر ال”ملتي ملياردير” هيوغو ساليناس، فهو يزعم أن تجرّؤ صدام حسين على إحلال اليورو محل الدولار الأمريكي في تجارة النفط العراقية، هو الذي تسبب في غزو بلاده واحتلالها، مثلما يعتقد أيضاً بأن نوايا القذافي لإحلال الدينار الذهبي في تجارة إفريقيا الخارجية قد جلب عليه غضب واشنطن ودسائسها .
الآن، الى أي حد يمكن أن يذهب المرء في مجاراته لمحاولة فهم، والاقتناع، وتصديق كل هذه القراءات، والتنبؤات المبنية عليها لمستقبل صراع الأضداد الدائر بشراسة على كوكبنا الأرضي الذي صار أكثر احتراراً، سواء جراء نشاط الإنسان غير العقلاني الاهداري لموارد الكوكب، أو بأعماله وأفعاله العسكرتارية؟!
هذا يحتاج الى قراءة أخرى بخلفيات اقتصادية وجيوسياسية سنحاول مقاربتها استكمالاً لموضوعها بالغ الدقة .
على صعيد منطقتنا العربية، سوف نلحظ بعد معاينة تاريخية اقتصادية سريعة، أن هنالك دولاً قد تخلت طواعيةً عن الاضطلاع بوظيفتها المتصلة بالبعد الاجتماعي للتنمية لمصلحة قوى رأس المال وقواه النافذة، فأضحت اليوم نهباً للهبات والاحتجاجات الشعبية المتوالية . وهناك البعض منها وقد بات يفكر الآن بجدية في مغادرة هذه الوظيفة تحت ضغط تناقص الموارد ومصادر التمويل الذاتية المحلية .