المنشور

استنفار الهزل ..!

جميل
أن يقر مجلس الوزراء لجنة لمناهضة الكراهية والطائفية تعنى باقتراح وتبني
السياسات والمنهجيات واعداد البرامج الفعالة التي تتصدى لمشكلة خطابات
الكراهية التي تبث عبر المنابر والكتابات ووسائل الاعلام والاتصال وبث روح
التسامح والتصالح والتعايش وتعزيز عوامل الوحدة بين ابناء الشعب.



وجميل
ان يدعو وزير الدولة لشؤون الاتصالات مستخدمي شبكة الانترنت ووسائل التواصل
الاجتماعي الى نبذ الفرقة والكراهية الدينية والطائفية واعلاء مصلحة الوطن
فوق اي صراعات واعتبارات ويلفت الانتباه الى ان تنسيقا جاريا مع الجهات
المختصة لتطبيق القوانين على مثيري الفتن والشائعات واتخاذ اجراءات صارمة
ضد الحسابات التي تحرض على العداوة واشاعة الفرقة بين افراد المجتمع
الواحد.


وجميل ان يطالب المشاركون في احتفالية المولد النبوي الشريف وهم
من كل الاطياف بترشيد الخطاب الديني ليكون وسطيا تسامحيا، ويدعون الى
التأمل في حقيقة الاسلام الذي بني علي قيم الحب والتسامح والاخاء والذي
تمثله وتخلق به صاحب الذكرى «ًص».


وجميل ان تظهر الى العلن مبادرات
وائتلافات وطنية على يد اهل الرشد والوعي السليم تعمل على وقف اذكاء الفتنة
والنفخ في النار وتتبنى نشر واشاعة قيم وثقافة التسامح وترسيخ مفهوم
المواطنة القائمة على الايمان بالوحدة الوطنية وتعمل على ما يهيئ المناخات
الايجابية الرافضة للفرز والكراهية والطائفية ونبذ الآخر.


وجميل ايضا ان
تصدر جمعيات ومؤسسات مجتمع مدني بيانات تؤكد وقوفها مع جهود لم الشمل
والتسامح ووحدة الكلمة «بعيدا عن اللعب بالشعارات والمتاجرة بالمسميات»
ودوافع اصحاب الشهوات المفتوحة على كل شيء ومنهم من باتوا يتصدرون الواجهة
في هذا الزمن الرديء.. وجميل كذلك ان تصدر الجمعيات المعارضة وثيقة «لا
للكراهية» .. تعبر فيه عن القلق العميق ازاء المدى المؤسف الذي بلغناه وان
تدعو الى التسامح ومناهضة التحريض..وجميل كذلك ان يؤكد ائتلاف الفاتح بان
الحوار استراتيجي.. وجميل حتما قيام قلة من اصحاب المنابر الدينية، وبعض
اصحاب الرأي والقلم الى الدعوة ذاتها.


في مناخ كهذا ظنناه سيستمر سائدا
بعد دعوة جلالة الملك الى حماية المسار الديمقراطي والحفاظ على التعايش
والوسطية والقبول بالآخر ورفض محاولات تغذية الطائفية والتعصب المذهبي،
ودعوته الى اتخاذ اجراءات تحمي تماسك المجتمع وبعدها جاء تحرك سمو ولي
العهد نحو حوار جديد .. الحوار الذي هو موضوع الساعة وكل ساعة، وبدل ان
يتعزز تلاقي جهود المخلصين من ابناء الوطن المعلومين والمجهولين للعمل بهمة
وجدية واخلاص لمغادرة الحال الراهن .. الدوامة المفرغة .. الطموحات
المجبولة بالانانيات والشخصانية.. والمجموعات العابرة التي تعيش على
السلبيات.. و»بازار المهازل» والتبجح الوطني المعبر عن الذات بطريقة مسرحية
فجة .. بدل ان يتحقق ذلك .. وجدنا من قاد معركة الحذر والتشكيك من جدوى
الحوار وضخ كلام كثير في عقول الناس رافضا للحوار .. وهناك من تباهي علنا
برفض الحوار ومن اي مصالحة او تقارب او توافق بين ابناء الوطن .. ووجدنا من
أيد الحوار ولكن بروح غير بريئة تهدر في ثناياها وباسم الحوار ابسط قواعد
الحوار، كما وجدنا ممن يعدون أنفسهم غيارى على الوطن يواصلون مساعيهم
«الحميدة» جداً لاعاقة المساعي الحميدة، لكن هذا لايعني ان هناك اصواتا
ارتفعت .. اصوات صادقة في دعمها للحوار.. ورافضة للتفسيرات السيئة
للنوايا.. ومقتنعة بانه لايجوز لاي كان .. اي طرف .. اي جمعية .. اي تيار
.. ان يدفع البلاد الى مجهول تكاد تبلغه .. ومستنكرة حالة استنفار المهازل
التي تريد ان تجعل مشروع الحوار كذبة مضحكة .. وهي واعية بعبثية عموم
المشهد ومدركة بانه لابد من فعل شيء يقلص مساحة هذا العبث ويوقفه .. وان
ذلك ينبغي الا يستمر حتى لايظل وكأن ما يجمعنا يأس مترابط الحلقات .. وما
يلمنا ضياع افق لايؤدي إلا الى خسارة للوطن تفوق اي تقدير ..


هل هذا مقبول ..؟


هل هذا معقول..؟


هل
نحتمل محاولة استدامة حالة العقم والخيبة المقرونة بثرثرات سطحية تختبئ في
ظلها اخطر «المفاجعات».. التي يتجلى اسوأها واخطرها حين يتحدث الكل باسم
الشعب..!


هل نظل نبقى أسيري دوامة اصحاب النفوذ والمصالح، وتجار
السياسة، وتجار الدين ومن يعدون انفسهم رجالا للمواقف الصعبة والأنانيين
الذين لا يرون في الوطن الا مصالحهم.. والكل يتحدث باسم الشعب يوظفون حالة
الانشطار لخدمة اغراضهم ومصالحهم التي لا يراعى فيها مصلحة الشعب ولا الوطن
.. والامثلة واضحة وصريحة .. ومؤسفة..!


هل يبقى المصير الوطني يهدر على
مذبح التعصب .. والتعنت.. والنفخ في نار الانقسامات واستثارة الغرائز
الرخيصة.. وتسعير ما تيسر من الضغائن والاحقاد..


ثم هل ندرك بان نبذ
الكراهية لايتحقق فقط عبر تصريحات وبيانات ووثائق وما في حكم ذلك، الغريب
والمذهل ان منها ماهو صادر عن اطراف الفناها منخرطة في ممارسات عبثية قسمت
البحرينيين انقساما عموديا وافقيا وبلغة دنيئة مثلت الرداءة في اكثر صورها
تجليا..!!، وهذا امر نترك لكم الاجتهاد في تفسيره..


هل هذا مانريده..؟
كلما لاحت في الافق فرصة للتوصل الى مخرج، او مبادرة انقاذية للتوافق يخرج
من يريد ان يقفل هذا الافق باعذار اقبح من كل الذنوب..؟!


ثم هل نملك ترف
تضييع المزيد من الوقت؟.. ان ندور ونراوح في مكاننا نتبنى شعارات .. ونلقي
خطبا، نصدر تصريحات.. وبيانات و»مسجات» وننظم «مهرجانات» لاتحتاج الى رعاة
او معلنين..!.. ونشكل لجانا ولجانا فرعية ولجانا منبثقة تحمل كل الاسماء
وكلها تصب في خانة نبذ الكراهية والحث على الود والتراحم والتواصل بين جميع
مكونات الوطن، هل هذا يكفي..؟ وكأن كل طرف ادى دوره المفترض فيما تستمر
ممارسات هؤلاء الذين شيعت ضمائرهم الى مثواها الاخير.. يقتاتون من مستنقعات
الخلافات ويشوشون على اي موجة انفراج ويشوهون كل مسعى طيب مع مايحمله ذلك
من تهديد للمستقبل والمصير ليظل واقعنا مفتوحا على مساحات لاحدود لها من
لوثات الكراهيات المتبادلة ولنظل مربوطين بمسلسل معقد من الازمات التي يمكن
ان تختصر في عنوان «الكارثة».. دون ان تمتد اليها يد بالتطهير والعلاج.


هل
هي دعوة منطقية تلك التي تبناها البعض الداعون الى اصدار قانون نبذ
الكراهية؟ .. هل نحتاج الى مثل هذا القانون حقا الذي يرى الداعون اليه
تطبيقه على كل من يؤجج ويشحن النفوس ويدفع الى مواطن التشنج والكراهية
والاقصاء على مسمع ومرأى من الجميع، من سياسيين ومن يعدون انفسهم نشطاء ..
واصحاب رأي وقلم ومنبر ديني واعلامي .. ام ان الحاجة تكون اكثر الحاحا
واكثر جدوى حين اجراء مراجعة رصينة وامينة لكل السياسات .. وكل الممارسات
وكل الآفات والانحرافات التي ادت بنا الى ما نحن عليه كي يصبح مشروع نبذ
الكراهية اكثر جدوى ويصبح معه وقف تمزيق الاواصر وعدم تغليب المصالح
الفئوية على المصالح العليا، وبشكل عام وقف تمزيق الوطن واهدار طاقته، اكثر
فاعلية وقادرا على بلوغ غاياته النبيلة.


ان ما كان سيئا ومعبرا عن قدر
كبير من الفجاجة مِن بعض َمن كانوا يذكون نار الفتنة والكراهية نجدهم اليوم
فجأة من دعاة محاربتها ومعاقبة موقديها..!! .. هذا امر جيد ومطلوب اذا كان
هؤلاء ممن لاينطبق عليهم البيت المشهور لامير الشعراء احمد شوقي..»برز
الثعلب يوما في ثياب الواعظين..»


نتمنى ان لايكون ذلك لمجرد خلط
الاوراق، او ارباك مشروع الدعوة الى الحوار الذي لا بديل عنه.. بل نتمناه
مراجعة للمواقف .. وصحوة من هذا التلوث الذي اصاب العقول والوعي .. ومن
مصلحتنا العليا… مصلحة الوطن والشعب.. ان يرد الاعتبار الى قيم التعايش
والتسامح واحترام الاخر، اما اولئك الذين لاتعجبهم هذه الدعوة.. من اصحاب
المآرب، والذين يصرون على رعاية حملات التحريض، والاستمرار في استثارة
العصبيات الفئوية والمذهبية والطائفية بلاهوادة ويمعنون في صب الزيت على
نار الفرقة ويريدون لنا ان نكون دوما امام طريق مسدود ويبنون امجادهم
المزيفة على الخلافات، هؤلاء نعلم بانهم سيظلون يرفضون بفجاجة كعادتهم
محاولة تهيئة الاجواء لافساح الطريق امام مرحلة جديدة من الحوار الوطني
يراد لها ان تثمر مخرجا من الازمة، لانهم يدافعون عن مصالحهم الذاتية
ولايهمهم الا تعميق الانقسامات وان نمضي نسكب الزيت على النار، وليس امامنا
نحن الذين نتطلع الى حالة انفراج واستعادة معالم الحياة الطبيعية الا ان
نكون اكثر فطنة ووعيا واكثر اصرارا وحزما امام هؤلاء المحترفين والمتاجرين
باوجاعنا .. بالعصبيات الطائفية .. وان يعوا انه كلما تأخر الحوار .. او
تعطل الحوار .. وتأخرت الحلول .. كلما غرقنا من حيث ندري او لاندري في وحل
التنازل عن وطنيتنا، نحو الولاءات والانتماءات الضيقة ومضينا نحو
الانعزالية المقيتة والمشينة.. وهذا امر لايجوز ولايليق ولايمكن السكوت
عليه بحال. نبذ الكراهية .. وتصفية المرارات العالقة في النفوس والمترسبة
في الاعماق مرورا بفتح افق جديد للحوار الوطني، عمل مضن.. ومعركة كبيرة
حقا.. لكن من قال ان الاهداف الوطنية الكبيرة والنبيلة يمكن بلوغها بسهولة
او بالمجان..؟!