لم يكن هدف غابرييل غارثيا ماركيز من كتابة روايته: “الجنرال في متاهته”، الحديث عن أهم الشخصيات في تاريخ أمريكا اللاتينية، الجنرال سيمون بوليفار القائد الذي تدين له جمهوريات القارة باستقلالها عن الحكم الإسباني .
يبدو مثيراً للفضول قول ماركيز نفسه حين سئل لماذا اختار أن يكتب رواية عن هذا الجنرال، إن ما فكر فيه في الحقيقة هو كتابة رواية عن نهر ماغدولينا، فقد نزل إلى هذا النهر مرات عدة، لذا فإنه يعرفه جيداً، ويعرف كل ما يحيط به قرية قرية وشجرة شجرة، ما يؤهله لكتابة رواية جميلة عنه .
لم يجد ماركيز ذريعة للحديث عن النهر الذي يعرفه جيداً سوى الحديث عن السفر الأخير للجنرال سيمون بوليفار المولود في فنزويلا الذي تنظر إليه شعوب أمريكا اللاتينية بتقدير كبير، وهو القائد الذي درس الفلسفة، وأعجب كثيراً بجان جاك روسو الذي ترك أثراً عميقاً في شخصيته، واستحوذت عليه فكرة تحرير القارة من الحكم الإسباني الذي أحكم القبضة على سكانها الأصليين .
كان يقول: “إسبانيا ستنهزم لا محالة، لكن من الضروري أن يتحقق ذلك بأسرع وقت وبأقل الضحايا والأضرار”، ولكي يقرب فكره إلى البسطاء من أبناء شعبه شرح لهم الأمر بالصورة التالية: “في كلمة واحدة، هل تريدون أن تعرفوا لماذا نذرونا للحقول لزراعة الحبوب والقهوة وقصب السكر والكاكاو والقطن . . وللسهول الشاسعة المعزولة لرعاية قطعان الحيوانات، ولأحشاء الأرض؟ لاستخراج الذهب الذي تتعطش إليه إسبانيا” .
لم يكن هذا ما اهتمّ به ماركيز في سيرة بوليفار، فلقد سعى لنزع الطابع الأسطوري عن بطله . تعامل معه كإنسان بكل تناقضاته، بقوته وضعفه . ورغم أنه أنفق ثلاث سنوات في كتابة هذه الرواية، وثلاث سنوات أخرى في البحث في المادة التاريخية المتصلة بشخص بوليفار وبالمرحلة التي عاش وعمل فيها، إلا أن الممتع بالنسبة له كان في العمل على سد الفجوات الغائبة عن الوثائق، تخيل ما لم يرد عنه حديث فيها . هنا شعر بحرية أكبر في ابتكار شخصيات، وإضافة أحداث وتفاصيل، وتمثل ذلك على ما يبدو في رسم الشخصية من جوانبها السيكولوجية وطريقة تصرفها .
حين طلب محبو بوليفار منه أن يكتب مذكراته، ردّ عليهم رافضاً بشكلٍ قاطع: “مطلقاً . هذه اهتمامات أموات” . كان على ماركيز أن يتخيل هذه المذكرات التي لم تكتب، ويصنع منها رواية .