الاعتصام الأخير للمفصولين عن العمل وعوائلهم أمام وزارة العمل، يحكي
لمن شهده أو شاهد صوره عن معاناة فئة ما زالت تدفع ضريبة انتمائها المذهبي
أو السياسي أو الثقافي في فترة كانت القبضة الأمنية هي المتحكمة في مصير
شعب كامل.
فالانتماء المذهبي أصبح تهمة يحاكم عليها الموظف في بعض
المؤسسات الأهلية أو تلك المحسوبة على القطاع الحكومي بشكل صار علنياً حين
خضعت البلاد للمزاج السياسي فقُسِّم الشعب إلى فئتين إما مع أو ضد، مع
الحكومة أو ضدها، وبالتالي صنفه بعض المؤزمين ومن يصطادون في المياه العكرة
إلى مع الوطن أو ضده، فصار كل معارض لسياسة ما تنتهجها الحكومة أو جهة
فيها خائناً للوطن ومعارضاً للوطنية، وغدا كل من كان ينتقد في السابق بعض
السياسات أو التصرفات لهذه الوزارة أو تلك يصفق لها، حتى وإن كانت لا تروق
له، نكاية في الطرف الآخر أو خوفاً من اتهامه بـ «معارضة النظام».
والانتماء
السياسي بعد كل ما أشيع عن الحراك الشعبي من شائعات وتهم أثناء فترة
السلامة الوطنية ومابعدها، صار تهمة أخرى تجيز للمؤسسات فصل موظفيها
وعمالها بسببه، حتى أصبحت جميع التهم التي فُصِل بسببها من فُصِل متشابهة
لا تختلف إلا في تفاصيلها الدقيقة التي طرّزتها المؤسسات لتتناسب وسياساتها
الداخلية، ولون شعاراتها.
هؤلاء المفصولون وعوائلهم ممن مازالوا على
قيد الفصل، ومن تجمهروا في تلك الساحة أمام وزارة العمل، يقولون لوزير
العمل ووكيله إن ملف المفصولين لا يجب أن يغلق أبداً، وما أشيع من الأخبار
في الصحف المحلية على لسان الوزارة بشأن حل الملف مجرد خزعبلات لا صحة لها،
خصوصاً وأن ما بقي من أعداد المفصولين مازال بالمئات بحسب إحصاءات الاتحاد
العام للنقابات قبل أقل من أسبوع.
ولو افترضنا على سبيل التفاؤل أن
العدد تقلص إلى مفصول واحد فقط، يجب ألا يغلق هذا الملف أيضاً مادام الوزير
المعني أقسم على خدمة وطنه وشعبه حين استلم حقيبته الوزارية، فهذا المفصول
سيكون غير قادر على إعالة نفسه، إن لم يكن العائل الرئيس لأسرته، وسيكون
مضطراً لتحمل قرار ظالم لحِقَ به ممن باع ضميره أو وقع له إجازة مفتوحة كي
يحمي نفسه ومصالحه.
ومن تواجد من أطفال في ذلك الاعتصام كان كفيلاً
بأن يسرد معاناة أسر كاملة تعيش أوضاعاً ماديةً صعبة بعد أن فقد عائلها
عمله، وكان بعضها محسوباً على الطبقة الاجتماعية الوسطى في يوم من الأيام،
وها هو الآن يتجرع مرارة العوز، وغصة الحاجة إلى الآخرين.
وليعذرني
وزير العمل على تساؤلي «البريء»، الذي أتمنى لو أوجهه له شخصياً وجهاً
لوجه، لأسمع جوابه من غير وسيط: لو كنت أنت المفصول أو أحد أفراد أسرتك، هل
كنت ستطالب بإغلاق الملف من دون أن تحصل على حقك أو حقه كاملاً؟
سوسن دهنيم