هل يمكن حل الصراع الذي انفجر بقيادة أكبر قبيلتين في جنوب السودان أن
يعالج بطريقة مختلفة، غير تلك التي أوردتها وكالات الأنباء أمس، من أن
المتمردين بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار (الذي ينتمي إلى قبيلة
النوير) يسعون إلى التوصل إلى «مصالحة شاملة» مع رئيس الجمهورية سلفا كير
(الذي ينتمي إلى قبيلة الدينكا)، بما يحقق «سلاماً جادّاً لكلا الطرفين
ولكل شعب جنوب السودان».
لنتصور لو أن سلفا كير، وبدلاً من المصالحة،
قرر إزالة جميع المنتمين إلى قبيلة النوير ومن معها (ولنقل إنهم يمثلون
نصف المجتمع) في الجيش وفي جميع القطاعات المهمة في الدولة. ربما أن سلفا
كير سيلجأ إلى اتهام أبناء قبيلة النوير بالخيانة شبه الدائمة، وأنهم
مرتبطون بأبناء القبائل الذين يشبهونهم خارج البلاد، وأن يباشر بتشييد أكبر
عدد من السجون في كل مكان من أجل ملئها بأبناء النوير.
فيما لو فعل
ذلك، فإنه سيضطر إلى استهلاك معظم الدخل الذي ربما سيحصل عليه مستقبلاً من
النفط (عندما يتم استخراجه وتصديره) من أجل إخضاع نصف المجتمع المستهدف،
ومن أجل اكتشاف المؤامرات التي يحيكها أبناء نصف المجتمع ضد الحكومة، وربما
سيحتاج إلى مستشارين وشركات علاقات وأناس من كل نوع ومن كل حدب وصوب
لإثبات أن كل ما تقوم به الحكومة لا يهدف إلى إخضاع نصف المجتمع (كما يدّعي
أبناء قبيلة النوير)، وإنما إلى حماية أمن الوطن من الخونة واتباع
الأجندات الخارجية، الخ.
بالطبع فإن مثل هذا السيناريو ليس عقلانياً
ولا يمكن أن يصمد مهما كانت الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، وسيكتشف أنه
ضيّع الثروات والفرص من دون نتيجة. سيكتشف، آجلاً أم عاجلاً، أن الأفضل
يكمن في اعتماد إطار وطني جامع لكل أبناء الوطن على أساس المساواة، واحترام
الحقوق الأساسية التي تنص عليها العهود والاتفاقيات الدولية… وهو ما
نأمله لكل بلداننا المبتلاة بأزمات تطول وتتعقد كثيراً لابتعادها عن الحل
السياسي العملي والعادل.
منصور الجمري