من ينظر لحال التعليم بعين وطنية واعية بعيدة عن كل المؤثرات النفسية
السلبية، يجد وزارة التربية والتعليم تظهر التعليم في الإعلام والمؤتمرات
والمحافل التربوية الإقليمية والعربية والدولية في أحسن حال من الرقي
والتطوير والإنجازات التربوية والتعليمية والإدارية، ويجده في الواقع
الميداني سيئاً في مختلف مفاصله التربوية والتعليمية، وأنه يعاني – التعليم
– من تراجعات مخيفة في مستوى التحصيل الأكاديمي بسبب أساليب الوزارة غير
التربوية في التوظيف كالأسلوب الذي اتبعته في توظيف ثلاثة آلاف متطوع من
غير أن تخضعهم لأبسط المعايير المهنية المعتبرة، وبسبب آلياتها الخاطئة في
جلب المعلمين من خارج البلاد، وبسبب تجاهلها المتعمد لمئات العاطلين
الجامعيين البحرينيين المؤهلين والمجتازين لكل متطلبات المهنة منذ زمن
بعيد، وبسبب قراراتها وإجراءاتها التعسفية التي مارستها ضد شريحة كبيرة من
التربويين والطلبة، وبسبب النقص في الكوادر التعليمية المؤهلة في الكثير
من المدارس، وبسبب عدم توافر البيئة التعليمية المناسبة لتنفيذ المناهج
الدراسية، وبسبب كثرة المشاريع التربوية غير المدروسة، وبسبب عدم وجود
استراتيجية واضحة للتعليم، وبسبب انعدام الشفافية في التعيين والتوظيف
والترقيات والحوافز والمكافآت والبعثات الدراسية وتلبية رغبات الطلبة
المتفوقين، وبسبب تشكيل لجان التحقيق غير القانونية التي أصدرت القرارات
التأديبية الظالمة ضد مئات التربويين منذ بداية الأزمة السياسية 14 فبراير/
شباط 2011، والتي قامت بتسييس التعليم وفصل وتوقيف نسبة كبيرة من
التربويين عن العمل والاستقطاع من رواتبهم، وبسبب استهدافها المذهبي لموظفي
معهد البحرين للتدريب ولطلبة كلية البحرين للمعلمين، وبسبب تعاطيها
المتباين مع القضايا الطلابية، وبسبب عدم قدرتها على جعل التعليم رافداً
حقيقياً لسوق العمل، وبسبب تخبطها في اتخاذ القرارات والإجراءات التربوية،
وبسبب علاقتها غير الإنسانية مع جل منتسيبيها الذين ينتمون إلى مكون واحد،
وبسبب عدم إشراكها للكوادر الوطنية من التربويين في وضع الإستراتيجية
التعليمية، وبسبب عدم تمكنها من الاتزان في نزعاتها الطائفية والمذهبية عند
تعاملها مع التربويين، وبسبب فشلها الكبير في تحقيق الجودة في التعليم
التي تلبي طموحات الوطن.
ما أردنا قوله إذا لم تتعامل الوزارة
بواقعية مع التعليم، سيكون المستقبل التعليمي للجيل الحاضر في خطر، لابد من
إشراك الكفاءات والخبرات التربوية والتعليمية الوطنية المتميزة في وضع
رؤية إستراتيجية للتعليم، وليس التخلص منهم تارة، أو التضييق عليهم ودفعهم
إلى ترك المهنة التي عشقوها مجبرين تارة أخرى، فيجب وطنياً ومهنياً
وحقوقياً إعطاء كل تربوي حقه المهني والمادي حسب مؤهله وكفاءته وخبرته
ونتاجه التربوي والتعليمي، والاستفادة من جميع الكوادر الوطنية التربوية
والتعليمية ذات الكفاءات والخبرات العالية أصبح ضرورة وطنية ملحة.
وإن
التلاعب بمصير التربويين المهنية والمادية، من خلال منعهم من نيل حقوقهم
المهنية، والتعامل معهم بعيداً عن القانون، وبعيداً عن أخلاقيات وأدبيات
مهنة التعليم، وبعيداً عن تطبيق المفهوم الحقيقي للمواطنة في تعاملها معهم،
والتحدث معهم بلغة طائفية بغيضة في لجان التحقيق، واتخاذ إجراءات ضدهم
خارج القانون، لا تؤدي إلا إلى المزيد من التراجع التعليمي.
وباستطلاع
بسيط لرأي التربويين عن ممارسات وزارة التربية والتعليم الخاطئة، نجد أن
الغالبية الساحقة منهم يشعرون بالغبن الشديد من ممارساتها وانتهاكاتها
لحقوقهم الإنسانية والمهنية التي كفلها لهم القانون، فقد أثبتت الدراسات
التربوية أن تقييد حرياتهم ومنعهم من ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم
والتضييق عليهم مهنياًَ وفكرياً وثقافياً واجتماعياً ونفسياً ومعنوياً،
وإسقاط هيبتهم في عيون طلبتهم، واستبدال الكوادر المؤهلة تربوياً بكوادر
غير مؤهلة يضر بالتعليم، فالتقرير السنوي لهيئة ضمان الجودة في التعليم،
يثبت أن حجم التدني الكبير الذي أصاب التعليم في العمق كان بسبب ضعف
الإدارات التعليمية وفقدانها للرؤية الوطنية للتعليم وافتقارها
للإستراتيجية التعليمية المحكمة، الواقع التربوي والتعليمي الحالي في
البلاد يتطلب تحركاً سريعاً لتغييره جذرياًَ ليتمكن من استيعاب جميع
الكوادر الوطنية الخلاقة التي بإمكانها إحداث طفرة نوعية في التعليم.
سلمان سالم