أمام مواطنتي، وحقّي في ثروات وطني، فإني ألتقي مع الآخر، المختلف
المذهب، فليس عدلاً أن أتقاضى راتبي، لقاء تسهيل السرقة والفساد الحكوميين،
بالسكوت وغض الطرف، لحسبان أن استرجاع المسروقات، سيحظى ببعضها ذاك الآخر،
أو أن الأمر بيد من يهمه الأمر، ولا شأن لي.
فالمواطنة أولاً ثم
التصنيفات العقائدية، ولا شيء يجمع المواطنين، أكثر من الحق المواطني، في
التمتع بثروات الوطن، وهي ملكية عامة للشعب بكل تصنيفاته الفرعية، فحين
يتعدى سارقٌ أياً كان، حكومياً أو شبه حكومي أو محسوباً عليها، فالرأي
والموقف، التصدّي له، ولا يتراجع عن أو يمايز الموقف، إلا مستفيدٌ بالسرقة،
أياً كان منصبه أو موقعه في معادلة المواطن والوطن، من أي مرتبة من مراتب
المسئولية.
والجريمة لا تُجزّأ ولا تُصنّف، بناءً على المذهب، أو
موقع المسئولية، فإذا كان السارق من مذهبي أو مسئولاً كبيراً، فالسماح، وإن
كان من المذهب الآخر أو وضيعاً، فالقصاص، بل يحاكمها العقل المواطني، بما
تقترفه في حق المواطن أياً كان، وبقدر الضرر عليه في أصغره، للمنع من
أكثره.
والمسئولية، لا صلة لها بالدين والمذهب، بقدر صلتها بالمواطن،
نعم هناك أوامر ونواهٍ دينية، في الجانب العقائدي، فذاك شأنك، ولا لمخلوق
في ذلك يدٌ عليك، إلا أنه في نواحي الحقوق، فالإنسانية أبدى، والتعدي
عليها، لا سماح فيه، أياً كان الجاني، والمسئولية تقع أولاً، وبأكبر محاسبة
مواطنية، على عاتق المسئول وصاحب القرار، فدوره ومسئولياته المواطنية،
تقتضي منه، محاسبة الفاسدين والسارقين لثروات الوطن والمواطنين، وتقاعسه عن
ذلك تحت ذريعة، قصر ذات اليد، أو أية ذريعة أخرى، أولى بها أن يتسلم
المسئولية، الأقدر غيره، فقد شبعنا من تقارير الرقابة المالية، التي لا
أدري ما هو الغرض من إنشاء هيئتها، فقد قيل أنها تساعد الحكومة ومجلس
النواب (أينه؟)، على إصلاح خلل المخالفات من أجل التطوير، إلا أن تقاريرها،
أشاعت ما يفوق المخالفات والأخطاء الإدارية، القابلة للمراجعة والإصلاح،
بما طال سرقات المال العام، والتلاعب بالقوانين والأنظمة، بل وبإفساد
إجراءاتها وإلقائها في غياهب البحار، ودفنها في أديم الأراضي المسروقة،
ربما لذات الغرض، فلا يطالها غير العلم بها، أما التصدي لها، فذاك أمر
مهمول، وبقصد لا يعلمه إلا المسئولون، والواعون من الناس.
فأيّ غرض
لتقارير الرقابة المالية والإدارية وهيئتها، غير قهر المواطن، عبر علمه
بسرقة قُوتِهِ، وهو مغلول اليد، فإن طالب بحق، فهو إرهابي وخائن للوطن
ومتآمر مع دولة أجنبية. وقد جدّ جديدٌ بإضافة تهمة «المسّ بجهة نظامية»،
و»العمل على إسقاط النظام وهدم الدولة»، وكذلك استمتاع السارقين بالسرقات.
ففي تقريرها العام 2012 من بعد تقاريرها منذ إنشائها، والتي تواكبت مع
إهمال معالجاتها، بما طال التطوير والإصلاح في أساليب وتعدد السرقات، عوضاً
عن حتى البدء في معالجاتها، فما بالك بتطوير هذه الإجراءات الحمائية،
للمحافظة على حقوق المواطن في ثروات وطنه.
لقد تراكمت على المواطن
البحريني، آفات الممارسات الحكومية، بما لا يدع له مجالاً للخيار، من تحميل
المسئولية الحكومة كاملة، فالكبير يغض الطرف عن الإصلاح، قبالة المكنون
الذاتي العدائي لطائفة، يناصره في ذلك الطائفيون والفاسدون من الطائفة
والطائفة الأخرى، والوزراء شوّهوا اختصاصاتهم الرقابية الوزارية، بما
ألهاهم عنها من الضر بالناس، فوزير العدل أصبح يدافع عن الاجراءات التي
ينتقدها الناس، ووزير الخارجية أصبح وزيراً للشئون الحكومية، ووزيرة
التنمية أصبحت وزيرة لشئون هدم الإنماء، ووزير العمل أصبح وزيراً للفصل
العمالي، ووزير حقوق الإنسان أصبح وزيراً للإعلان والدعاية، ووزير المالية
أصبح وزيراً للتبذير المالي، ووزير الصحة أصبح وزيراً للتردي الصحي، ووزير
البلديات أصبح وزيراً للاقتصاص البلدي، وكذلك نحى باقي الوزراء، متذرعين
بالأوامر العليا، مثل تلك التي تذرّع بها الفاسدون والسراق في قضية «ألكوا-
ألبا»، حين تذرعوا بأن الرشوة نظام معمول به رسمياً في البحرين، والقائمة
تطول.
فمن بعد الوزراء، هناك وزراء الدولة للشئون المختلفة، وهناك
نواب الرئيس والمستشارون الأربعون، وهناك وكلاء وزارات ووكلاء مساعدون،
وهناك مدراء إدارات ورؤساء أقسام ومساعدوهم وموظفون كبار، كل هؤلاء
مُساءلون أمام تقارير الرقابة المالية، وهي بيت القصيد، أما الإدارية منها
فمرجعها فقد الكفاءة والمسئول عنها جهات التعيين، فهل سنرى إصلاحاً يطال كل
هؤلاء بالمحاسبة والعقاب القانوني، والإبدال بالكفاءات والنزاهة؟ أم يختار
المواطنون التبرع لبعضهم البعض، عوضاً عن الإجبار؟