المنشور

الدور المغيَّب للمثقفين والوجهاء

بعيداً عن المشكل السياسي، الذي يعصف بالبحرين منذ فبراير/ شباط 2011
وحتى الآن، فإن الاحتراب الطائفي الذي أوقده البعض بهدف ضرب المطالب
السياسية، هو ما يجب التركيز عليه الآن من قبل الفعاليات والشخصيات الوطنية
والوجهاء والمثقفين في المجتمع البحريني من المستقلين.

بالطبع لا
يمكن فصل المشكل السياسي عن الأزمة الطائفية التي تمر بها البحرين،
فالمشكلتان متشابكتان تماماً، ولن تُحلَّ الأولى دون أن تكون هناك مصالحة
وطنية تجمع كل طوائف المجتمع تحت راية واحدة هي حب البحرين، ولكن كل ذلك لا
يعفي هذه الفئة من المجتمع من مسئوليتها التاريخية التي تخلت عنها طوعاً
أو خوفاً.

قد يبدو لأي مراقب للوضع البحريني أن المجتمع قد انقسم على
نفسه تماماً، ولا وجود لفئة ثالثة، فإما أن تكون معارضاً تماماً أو تكون
موالياً حتى أخمص قدميك، وذلك خطأ كبير جُرَّ المجتمع إليه جرَّاً، بحيث تم
طمس وإسكات أي صوت مختلف.

ما أصاب عدداً من الوجهاء وعلية القوم،
ومن الطائفتين، من تهديد مباشر ليس فقط في تجارتهم وأعمالهم، وإنما في
وجودهم أساساً، إبَّان الأزمة، جعل الجميع يفهم أن هناك طريقين لا ثالث
لهما، «فإما أن تكون معنا أو أنت ضدنا»، وأن الصوت أو الموقف الوطني
المستقل أو المحايد ليس مطلوباً في الوقت الراهن، بل إنه قد يجر صاحبه إلى
متاعب لا تحمد عقباها، فليس هناك مكان في البحرين لمن يمسك العصا من النصف.

الكثير
من كبار الفعاليات التجارية والاقتصادية تم تهديدهم لمجرد الشك في موقفهم،
وتم اتهام العديد منهم بتهمة الحضور إلى الدوار، وذلك ما كان يعتبر خيانة
عظمى لا يمكن التغاضي عنها، ولذلك شهدنا الغزوات المتعددة على برادات جواد،
وفصل مجموعة من التجار وأصحاب الأعمال من مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة
البحرين بشكل تعسفي وغير قانوني، كما راقبنا الحملة الشعواء التي أطلقها
البعض، والداعية إلى استثناء أي متعاطف «ولو على سبيل التخمين» مع الأحداث
من أي مناقصات حكومية، وإرسائها على الشركات التابعة لـ «شرفاء الوطن»، حتى
وإن كانت أسعارهم أعلى، ولا تنطبق عليهم شروط المناقصة.

إن من يظن أن هذه الحملة قد انتهت، وأن المضايقات التي يتعرض لها التجار من فئة محددة قد توقفت، فهو مخطئ.

ومع
ذلك، كان من الممكن أن يلعب وجهاء المجتمع دوراً إيجابياً في التقريب بين
الطائفتين الكريمتين، كما حدث في ستينات القرن الماضي عندما بدأت أزمة
طائفية في التشكل، لو كان ذلك مقبولاً لدى السلطة، أو كان الوجهاء يمتلكون
قدراً أكبر من الجرأة والشجاعة.

جميل المحاري