استمعت المحكمة الجنائية في منطقة ساوثوارك في لندن، إلى شهادات مثيرة تتعلق بقضية فساد «ألبا – ألكوا»، أدلى بها مسئول سابق شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، الذي قال إن الشركة «حُشرت في زاوية» من أجل التوقيع على اتفاق غير منصف لإمدادها بمادة الألومينا لمدة عشر سنوات، وذلك في العام 2004. قضية يتداولها الغرب حول فساد ألبا- ألكوا.. ولكن إلى أين المصير في البحرين التي وقعت فيها قضية الفساد؟ هل مصيرها النيابة العامة أم المحاكم الجنائية الكبرى أم ستبقى في المحاكم البريطانية والأميركية، وتتغاضى عنها البحرين؟
والحقيقة أنّ قضية فساد ألبا بدأت منذ 1993 حتى آخر صفقة لها في نهاية 2004، إذ تم التلاعب بالعقود بين شركة ألكوا التي كانت تدفع رشاوى لمسئولين حكوميين في مقابل توقيع عقود بأسعار مرتفعة ومتضخّمة، فكانت خسارة ألبا بمعدّل 65 مليون دولار سنوياً منذ 1993، ومعدل الخسارة الكلّي مليار دولار!
إنّ اعترافات المسئول السابق الذي وافق على الإدلاء بشهادته أمام المحكمة بتهمة مشاركته في الرشاوى، هي اعترافات خطيرة، تتداولها المحاكم الجنائية البريطانية والأميركية، وإلى الآن لم نجد المحاكم البحرينية أو حتى النيابة العامة البحرينية تحرّك شعرة حول ثاني أكبر قضيّة فساد في البحرين بعد ملف فساد الأراضي! ولا نعلم سبب هذا الصمت المطبق!
الغريب في الموضوع أنّ هذه الصفقة المشبوهة لا نعرف بنودها إلى الآن، ونريد معرفة مكان وجود المبلغ المتبقي الذي تلاعبت به شركة ألكوا مع المتّهمين المتورّطين في قضية شركة ألبا، فهذا المال هو مال عام، وليس من حق أحد الاستيلاء عليه.
وكما هو معلوم بأنّ أول من فتح قضية ألكوا هي شركة «تي ان أر»، التي كانت تحقق في دبي واكتشفت ملف فساد كبير في ألبا-ألكوا، فأرسلت رسالة إلى أحد الوزراء بالبحرين فوجّهها بدوره إلى وزير المالية آنذاك، ومن ثم أغلق الملف وتم التكتّم على القضية، فلماذا تمّ التكتّم عليها بهذه الصورة؟ مع العلم بأنّ القضية من أكبر قضايا الفساد!
اليوم يمثل أحد مسئولي الشركة أمام المحاكم البريطانية بتهمة التستّر على قضية المال العام، فهل سيكون خلف القضبان أم انّه ضحيّة متنفّذ لم يستطع قول الحق أمامه؟ فإن كان متستّراً على فسادٍ في المال العام أو لم يستطع قول الحق فهو سيتهم بتهمتين، إذ كان يستطيع تقديم استقالته وهذا أضعف الإيمان! ولكن لا نعلم ما كانت ظروفه، ولكننا نعلم بأنّ الفساد استشرى في ألبا حتى فاحت ريحته خارج البحرين!
هذه القضية ليست الأولى طبعاً، فقضيّة شركة كلينجور التي كانت متّهمة بإعطاء رشاوى لتكون الوكيل الحصري على آسيا من شركة ألبا، ودفعت 15 مليون دولار وهو لا شيء من الخسائر، من أجل هذا الموضوع دخلت التاريخ البحريني على مصراعيه، ولكن القضية أُغلقت ولا نعلم أسباب الغلق!
فأين المحاسبة الفعلية لمن استلم الرشاوى وتلاعب بالعقود؟ وهل تمّ التحقيق مع أول متهم بالفساد في قضية ألبا- ألكوا من قبل النيابة العامة ونحن لا ندري؟ وهنا نقول بأنّ التلاعب أصبح بالمعايير في مكافحة الفساد كما ذكر ذلك السيد عبدالجليل خليل في مؤتمره الصحافي المعقود سنة 2012.
وحتى يعلم الرأي العام كانت هناك قضيّتان، إحداهما مدنية وأخرى جنائية، رفعتا ضد ألكوا في 2008، وقامت وزارة العدل الأميركية برفع القضية الجنائية للتحقّق من الفساد، في حين أغلقت القضية المدنية!
هناك متهم آخر قبض عليه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني، ووجهت إليه تهمة فساد تتعلق بتوريد الأمونيا للبحرين، واعترف أنه أعطى مسئولاً كبيراً رشاوى بقيمة 6 ملايين دولار.فأين التحرق والتحقيق في هذه القضية؟ فالوثائق التي رفعت للمحكمة تدل على أنّ شركة ألبا لم تدفع مباشرة إلى ألكوا، بل تدفع لهذا الوسيط!
لابد من فتح تحقيق في البحرين لمحاسبة الفاسدين والضرب بيد من حديد عليهم، أو لحفظ ماء الوجه، حول التلاعب في عقود ألبا لأكثر من 20 عاماً من دون وجه حق، ما أدّى إلى استنزاف أموال الدولة، ولابد من استردادها من أجل تحقيق العدالة التي تكلّمنا عنها بالأمس. وجمعة مباركة.