نظمت الجمعيات السياسية المعارضة ندوة بعنوان ” سيرة العنف المدمر” وذلك يوم الاربعاء 6 نوفمبر الماضي في جمعية وعد شددت فيها على أن وثيقة اللاعنف التي أصدرتها الجمعيات الست هي معتقد سياسي راسخ واستراتيجي وليس تكتيكا تتراجع عنه او تغيره.
نعرض أدناه ورقة المحامي حميد الملا الذي كان أحد المتحدثين في الندوة بالإضافة الى النائب المستقيل خليل المرزوق والمحامي حافظ حافظ
سيرة العنف المدمر
(وثيقة إعلان مبادئ اللاعنف)
الأخوات، الأخوة،،،
الحضور الكرام،،، أسعد الله مسائكم جميعاً
في البدء أود أن أشكر جمعية العمل الوطني الديمقراطي على إستضافتها هذه الندوة، والشكر موصول للأخوة المنظمين وما قاموا به من مجهود في سبيل إنجاح العمل المشترك بين جمعيات المعارضة.
قبل عام أقدمت الجمعيات السياسية المعارضة على خطوة مهمة وتاريخية في إصدار وثيقة اللاعنف، وبذلك فوتت الفرصة على كل من يدعي بأن هذه الجمعيات لها أجندات أخرى غير معلنة وبأنها تدعم الإرهاب كما تروج له السلطة والصحف الصفراء من أجل حرف الأهداف الحقيقة للعمل الوطني السلمي المطالب بالديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان.
فالحكم وعلى مدى أكثر من نصف قرن وهو يعمل على إشاعة فكرة بأن أي من المطالبين بالديمقراطية هم إرهابيون أو يعملون لحساب دول تدعم الإرهاب، وفي الآونة الأخيرة قد جند من الإعلاميين والإذاعة والتلفزيون وكل وسائل التواصل الإجتماعي لترويج مثل هذه الأكاذيب، ودفع لهم مالاً سخياً من أجل إثبات هذه الأكذوبة.
أما الحركات السياسية فمنذ تاريخ نشوء تلك الحركات وبرامج عملها وأهدافها والتربية الحزبية التي أنشأت أعضائها ومناصريها سنجد بأن ما تعمل عليه لم يخرج عن إطار العمل السلمي اللاعنفي.
فعندما أصدرت الجمعيات المعارضة وثيقة اللاعنف وحددت اهداف عملها في المبادئ الواردة في الإعلان قطعت الطريق كليا ًعلى أي تقولات يقوم بها الحكم في إلصاق تهمة الإرهاب بها، فالمبادئ كانت واضحة وتحددت في إحترام الحقوق الأساسية والأفراد والقوى المجتمعية وأخذت على عاتقها الدفاع عنها، وكان ذلك هو المبدأ الأول من الإعلان.
أما المبدأ الثاني فقد تمثل في الإلتزام بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية.
أما المبدأ الثالث فقد أكد على أن تلك القوى أي المعارضة أن تأخذ على عاتقها في نهجها السياسي بأن لا تلجأ إلى العنف أو تجاوز حقوق الإنسان والآليات الديمقراطية.
أما المبدأ الرابع فقد أكد على الإدانة الواضحة والصريحة للعنف بكل أشكاله ومصادره وأطرافه.
وفيما يتعلق بالمبدأ الخامس، فقد أكدت قوى المعارضة على أهمية الدفاع عن حق المواطنين في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.
وأخذت القوى السياسية المعارضة على عاتقها أن تكرس وتدعوا في أدبياتها وخطاباتها وبرامجها إلى ثقافة اللاعنف وإنتهاج السبل السلمية والحضارية.
وقد أستمدت تلك المبادئ من المواثيق والإعلانات والقرارات الدولية كالقرار رقم 61/45 والخاص بالعقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف من أجل أطفال العالم والصادر في 4 ديسمبر 2006م، والقرار رقم 61/271 والخاص باليوم الدولي اللاعنف والصادر في 15 يونيو 2007م.
فكلا القرارين يؤكدان على أهمية العمل السلمي وعدم اللجوء إلى أي نوع من أنواع العنف ويحثان منظومة الدول على أهمية التسامح والإحترام الكامل لجميع حقوق الإنسان والحريات السياسية للجميع والديمقراطية والتنمية والتفاهم المتبادل وإحترام التنوع وتأمين ثقافة السلام ونشر رسالة اللاعنف عن طريق التعليم وتوعية الجمهور.
وقد أشار القرار رقم 61/45 والخاص بالعقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف في ديباجته إلى الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم على أنه لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الوثيقة في ضرورة تربية الأجيال على التسامح والولوج إلى أفئدتهم وعقولهم وقلوبهم حتى تصبح هذه الثقافة جزء من كيان تفكيرهم، كل ذلك يعزز من دور القوى المطالبة بالتغيير في المجتمع ويعزز من مكانة الحركة الوطنية المطالبة بالديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان وصولاً إلى التداول السلمي للسُلطة.
وعلى هذا الأساس فإن المبدأ الأساسي لفلسفة العمل السياسي هو بناء مجتمع خال من العنف، وهذا ليس بالإمكان تحقيقه في ظل الدول القمعية والتسلطية أو في ظل الديكتاتوريات.
فالبيئة الحاضنة للتفكير في اللاعنف والنهج السلمي في أي مجتمع لا يتأتى إلا من خلال وجود الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان.
وعلى خلاف ذلك نرى بأن الحكم يحاول إلصاق التهم بالحركات السياسية المعارضة ويفبرك المسرحية تلو الأخرى للنيل من قوى المعارضة وتصويرها بأنها إرهابية أو ترعى الإرهاب، بينما لو رجعنا إلى التاريخ سنجد بأن من يقوم بالإرهاب هي الدولة ذاتها من خلال القيام بأعمال القتل والتعذيب والتعدي على حقوق المواطنين وإنتهاك حرمات المنازل وإعتقال الأطفال والنساء وتدمير دور العبادة.
وعلى خلاف ذلك، فأن القوى السياسية كانت وما زالت وفي بياناتها المتتالية تدين أي أعمال تدعو إلى العنف أو تحرض عليه أو تفكر بالقيام به من أي جهة كانت، ومع ذلك لم يشفع لها من قبل الحكم أو الموالين أو الصحف الصفراء الذين يكيلون التهم ليل نهار إلى قوى المعارضة ويوصمونها بالإرهابية.
فثقافة اللاعنف ترسخت وأصبحت تدرس في الجامعات كما هو حاصل في إحدى الجامعات اللبنانية، حيث تأسس في العام 2009م مؤسسة أكاديمية تدعى (أونور) تقدم شهادات متخصصة في درجة الماجستير وتخرج سنوياً المئات من الخبراء في مناهضة العنف من مختلف الدول العربية، وهي بذلك أي الجامعة تؤسس لمناهج رائدة في تعليم اللاعنف وحقوق الإنسان واللاطائفية في المدارس والجامعات،
إذن، اللاعنف قبل أن يكون منهاج عمل هو أولاً وأساساً موقف درجت عليه القوى السياسية منذ أمد بعيد وما زالت مستمرة فيه من أجل نيل المطالب بالطرق السلمية والحضارية إيماناً منها بأن العنف هو إنتهاك لحرمة الحياة بل بالعكس بأن القوى المعارضة قد تصدت في بياناتها ومواقفها إلى أي دعوة أو دعوات تدعو إلى عدم السلمية في المطالبات.
وفي هذا الإطار فإن الجانب الأخلاقي الذي تستمد منه القوى السياسية في تبنيها لمبدأ اللاعنف يكمن في إستفادتها من خبرات الشعوب الأخرى في مطالبتها بالحرية والديمقراطية بالطرق السلمية إعتماداً على قوة الجماهير وكثرتها كما فعل قادة عظام كالمهاتما غاندي في إستقلال الهند ومارتن لوثر كينغ في دفاعه عن السود ومن أجل الحقوق المدنية للأفروأمريكيين.
كما أنه يمكن لنا القول بأن الأديان السماوية وغيرها من الأديان الوثنية كالهندوسية والبوذية والسيخية كانت تدعو إلى اللاعنف.
فالعمل اللاعنفي هو أجدى وأنفع للقوى السياسية من أي عمل آخر والذي يدخل في إطاره التظاهر السلمي وتسيير المظاهرات والتجمعات العامة وله أدوات مثل اللافتات، الشموع، والزهور. كما أن له شكل آخر إذا إستدعت الحاجة وهو العصيان، الإمتناع أو عدم الطاعة. ليتدرج حتى الإعتصام، إحتلال المواقع، الإضراب عن الطعام، والإضرابات، والتجمعات، والعرائض، والتواقيع، والإمتناع عن دفع الضرائب، والإمتناع عن الخدمة العسكرية والمظاهرات العامة كوسيلة من الوسائل التي إعتمدتها الحركات اللاعنفية.
كل ذلك، يؤخذ في الحسبان في العمل السياسي بإختلاف الظروف السياسية والثقافية للشعوب ومدى ملائمة أي من تلك الوسائل للبلد المعني.
من هنا نجد من أن الشعوب في حركتها عبر التاريخ وفي كفاحها اللاعنفي لعبت دوراً وما زالت في تقليل سلطة الأنظمة الديكتاتورية ولذلك نجد في العام 1989م شهد ما يزيد على مليار ونصف مليار من البشر ثورات لاعنفية حققت نجاحات تفوق التصور وعلى الأخص في بلدان ما يعرف بالكتلة الشرقية السابقة، وإذا ما أضفنا (الفلبين، جنوب إفريقيا، إيران، حركة التحرر في الهند) فإن الرقم سيزيد عن ثلاثة مليارات مما يعني نسبة خمسين بالمائة من البشر، وتبع ذلك ما حدث في العام 2011م من ثورات الربيع العربي وما حققته في كنس الأنظمة الديكتاتورية كتونس ومصر واليمن وليبيا.
من هنا يجب التنويه من أن العنف السياسي يحرم الإنسان من حقه في الحياة التي نصت عليه جميع المواثيق الدولية، فقد ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه” ونجد الأمر عينه في الإتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، في المادة (6) الفقرة (1) ” لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي”.
فالعنف السياسي في المجتمعات الحديثة وبسبب الطبيعة الفتاكة للسلاح الحديث وتأثيره الواسع النطاق يؤدي إلى قتل وجرح أشخاص آخرين لا علاقة لهم بالخصم الذي يستخدم ضده العنف. ولذلك فإن القوى السياسية في إنتهاجها لمبدأ اللاعنف بإمكانها التركيز على المطالب التي تأمل تحقيقها لمواجهة عنف الحكم بالوسائل اللاعنفية وهي الأجدى والأقوى والأمضى في المواجهة.
وبناء عليه، تم اللجوء إلى لغة تدعو إلى تبني تدوال السلطة بشكل سلمي، بعيداً عن وسائل العنف والإكراه، وإجراء إنتخابات دورية، يشارك فيها الشعب ويؤخذ بنتائجها، وإعتبار مبادئ الشفافية والعدالة والنزاهة هي الأساس لتحقيق رخاء سياسي وإقتصادي ومجتمعي.
ومن هنا، يأتي دور الإعلام السياسي الذي يستهدف من خلال ما يقدمه من أخبار وموضوعات وتعليقات وتحليلات وصور خلق المناخ الذي يهيئ مساندة الرأي العام لتوجهات العمل السياسي عبر تزويد الجماهير بالمعلومات والقرارات السياسية التي تساعد على تكوين رأي عام موحد يدعم رؤية القوى السياسية والإرتفاع بمستوى وعيها وحشد طاقاتها في بوتقة العمل السلمي اللاعنفي.
وفي سبيل تحقيق الأهداف، فإنه من الضرورة أن يكون هنالك سنداً دولياً لمتابعة ما يحدث على أرض الواقع ولن يحدث ذلك إلا من خلال إدانة العنف بكل أشكاله وألوانه ومسبباته ومبرراته من أي طرف كان، وهذا ما لمسناه في بيانات الدول كموقف من الوثيقة الصادرة عن الجمعيات السياسية المعارضة، حيث أفرد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية بتاريخ 9 نوفمبر 2012م ترحيبه بـ (وثيقة اللاعنف) التي أصدرتها المعارضة البحرينية، وكذلك فعلت الدول الأخرى وطالبوا حكومة البحرين بالكف عن ممارسة عنف السٌلطة في مقابل المطالبات المنادية بالديمقراطية.
وفي الختام، نود أن نؤكد على أهمية العمل المشترك للجمعيات السياسية المعارضة في بلورة رؤى للعمل السياسي يخرج البلد من دائرة العنف ويبني أسساً للعمل السلمي المنظم ذو الأهداف الواضحة ورفض أي تفكير في جرّ البلاد إلى مستنقع العمل ذو الطابع العنفي، بل إستنكاره وإدانته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
الأربعاء 06/11/2013م
المحامي/ حميد علي الملا
المصادر:-
1- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/45 – العقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف من أجل أطفال لعالم 2001،2010م .
2- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/271 – اليوم الدولي للاعنف/ 15 يونيو 2007م.
موسوعة ويكيبيديا.
3- د. السيد أحمد مصطفى عمر (الإعلام المتخصص دراسة وتطبيق).
بيان صحافي صادر عن المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية.