تمر خلال هذه الأيام ذكرى تأسيس هيئة الاتحاد الوطني، التي قادت النضال الوطني الديمقراطي في منتصف القرن العشرين، ففي الثالث عشر من أكتوبر عام 1954 اجتمع ممثلو الشعب البحريني في مسجد بن خميس بالسنابس واختاروا 120 مواطناً من مختلف الفئات والمناطق يمثلون الهيئة التنفيذية العليا، اختارت بدورها لجنة تنفيذية من ثمانية أشخاص هم عبدالعزيز الشملان، عبدالرحمن الباكر، السيد علي كمال الدين، محسن التاجر، ابراهيم بن موسى، عبدالله بوذيب، عبدعلي العليوات، وابراهيم فخرو.
وقد صاغت الهيئة مطالب الشعب البحريني، يومذاك، في مطالب رئيسية في مقدمتها:تأسيس مجلس تشريعي يمثل أهالي البلاد تمثيلاً صحيحاً عن طريق الانتخابات الحرة، ووضع قانون عام للبلاد جنائي ومدني على يد لجنة من رجال القانون يتمشى مع حاجتها وتقاليدها على أن يعرض هذا القانون على المجلس التشريعي لإقراره وكذلك إصلاح المحاكم وتنظيمها وتعيين قضاة لها ذوي كفاءة يحملون شهادات جامعية في الحقوق، ويكونون قد مارسوا القضاء في ظل القوانين المعترف بها.
كما نصت المطالب على السماح بتأليف نقابات للعمال ونقابات لأصحاب المهن الحرة تعرض قوانينها ولوائحها على المجلس التشريعي لإقرارها، وتأسيس محكمة عليا للنقض والإبرام مهمتها ان تفصل في الخلافات التي تطرأ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أو أي خلاف يحدث بين الحكومة وأي فرد من أفراد الشعب.
لا تكمن القيمة التاريخية لحركة الهيئة في هذه المطالب الجوهرية فقط، والتي عكست توق شعب البحرين في التحرر من الهيمنة الاستعمارية، وتحقيق الديمقراطية والشراكة السياسية، وإطلاق الحريات العامة، بما فيها الحريات النقابية، وإنما أيضاً في كونها حركة وطنية شاملة، جامعة، غطت البحرين كلها، وفيها تمثلت كافة فئات الشعب ومكوناته.
هذا الجانب بالذات من دروس حركة الهيئة هو المفتقد اليوم في ظروف أزمتنا الراهنة، والوضع المعقد الذي تعيشه بلادنا. ففي ظروف الاستقطاب الراهن الذي يأخذ المظهر الطائفي في الكثير من حالاته، نجد أن طرفي الاستقطاب يتحدث عن الشعب بوصفه ممثلاً وحيداً له. وفي حقيقة الأمر فان هذا الشعب موجود هنا وهناك، على هذه الضفة وتلك الضفة، لكن المفتقد هو الإطار المعبر عن هذا الشعب كاملاً، على قاعدة مطالب متفق عليها وطنياً، وهذا ما نجحت فيه حركة هيئة الاتحاد الوطني في حينه، عندما وحدت، الشعب بسنته وشيعته خلف قيادتها، واستطاعت أن تقضي على الفتن الطائفية التي أراد المستعمر إشعالها.
وحين انقض المستعمرون على حركة الهيئة واضطهدوا قادتها إما بالسجن أو النفي، واصل جيل جديد من الوطنيين البحرينيين الذين تلقوا خبراتهم النضالية الأولى في حركة الهيئة، وكانوا يومها شباناً في مقتبل العمر في حمل راية النضال الوطني.
الفكرة الوطنية المُوحدة ليست ماضياً وتراثاً فحسب، إنها حاجة راهنة شديدة الإلحاح، بعد التصدع الطائفي الذي بلغه مجتمعنا البحريني، والذي يجري الإمعان في تكريسه وتعميقه، وإعاقة أي جهد يساعد في التغلب عليه، عبر إبراز ما يفرق، لا ما يوحد، ومن أجل إعادة بناء الوحدة الوطنية البحرينية، فان البحرينيين ليسوا بحاجة للتعلم من التجارب الأخرى، ففي تاريخهم القريب ما هو جدير بأن يعلمهم.