ضائع في دروب الوطن، كل من تسمى بغير المواطن، يلطمه ذاك الجدار من ذا الزقاق، الذي بناه الرعيل الأوائل من مواطني البحرين، أو يلفظه شاطئ البحر الذي ارتاده واستخرج غلاته ولؤلؤه الأجداد، أو تلك النخلة التي ارتوت من عين عذاري من بعيد، أو بعزق «السخين» بيد ذاك المزارع الذي روى الأرض عرقه وجهده، فاستنكر الوطن ضياع ذاك التائه في داره وبين أهله، فليس للقبيلة ولا العرق وليس للدين ولا المذهب، من وطن، فما الأوطان إلا دارًٌ للمواطن، الذي تجتمع فيه كل هذه الإنتسابات، وتتوحد في صفة المواطن وحسب، ليتساوى مع غيره من المواطنين، في اقتسام الثروة الوطنية والقرار السيادي الذي يحمي الوطن ضد الأغراب والتغريب.
غريب في وطنه ذاك المواطن، الذي تسمى بمذهبه، أو قبيلته، وغريب ذاك المواطن، الذي ما أن رأى مظلوماً في وطنه، يرفع الصوت في طلب حقٍ، حتى رماه بالخيانة والجحود، فكأنما الوطن، شيخ أعطى أو وهب، وجاء بسعي لتقبيل «الخشم» وبما سعى ذهب، بمال إستحوذه من المواطنين والوطن، وأعطى منه من تَعَبَّـد للشيخ وارتعب، فخائن لدى ذاك وغريب الدار، كل من لم يُقبِّل «خشم» الشيخ كما فعل.
وكأني بمن يُخَوِّن أهل الدار والوطن، ويعايرهم بمدرسة وجامعة ارتادوها، أو بعملٍ ثمرة جهدهم وكدهم ومثابرتهم، ينسى أنه نفسه من اختار أن يدفع بدل ذلك جهله وعبوديته التي تستصرخ لديه صوت الظلم لغيره، بأنهم لم يبيعوا أنفسهم كما باعها بأبخس الأثمان، بل جهدوا واجتهدوا برفعةٍ، في خدمة الوطن، وأتوه بما تقاسموه وإياه، من خير ويُسرٍ، فينادي أنه حرٌ في القول والفعل، مستنداً على متنفذٍ اليوم، في إفلاته من العقاب، ويستزيد مطمئناً لأنه في غده سيكون كما أمسه ويومه، عبداً لمن تقوى وانتشر.
فيخرج علينا من يعتمر عباءة الطائفية المذهبية، بأن الآخر خطير عليه، إلا بقمعه وتهميشه، وكأن الوطن مالٌ ورثه من أبيه، لا يطال النفع فيه غيره، فارتضى أن يحالف من ينصره في ذلك، ظلماً لأخيه المواطن الآخر، معتداً بما تملكه السلطات القائمة، الناصرة له ضد الآخر، بتمييزه، متناسياً أن الزمن دوّار، وما من مظلومٍ بتقيّحات التهميش والتطاول، إلا صبر وصبر، ثم ثار وانفجر، وحينها لا ينفع الظالم، لا مالٌ ولا تمييز، فالنهر سيجري في مجراه الطبيعي، مهما بعثر الطاغي في طريقه من حجر.
فتعال أيها التائه في الوطن، إلى كلمةٍ سواء بيننا، قد تستنفع بعطاء غير حقك بالزيادة، ولكن هل تستنفع بنزع لقمة العيش من الآخر؟ فحتى الحيوان المفترس، يأكل من فريسته ما يشبعه، ويترك للآخرين من بني جنسه بقاياها، ولا تنسى أن الوطن هو دارك ودار جارك المواطن الآخر، فكيف تطرب لخلو الدار إلا من شخصك، دون أخيك المواطن الآخر، وتقبل غريباً ينازعك رزقك، أفليس «أنت وأخوك وابن عمك على الغريب»؟ أم أن الغريب أخوك، وأخوك في الوطن غريبٌ، لتتقوى بالغريب على أخيك المواطن.
وأيها التائه في الوطن، حين تتجنى على أخيك في الوطن، بأنه صفوي الهوى، نصرةً كاذبةً لعروبتك، ألم تر بأن من تنقاد لهم باتوا يصافحون ويتقاربون مع محتلي فلسطين العربية، يستنصرونهم على عروبتك وعروبة أخيك المواطن الآخر، الذي حين كان له الخيار، اختار عروبة البحرين، وأعطاك صكّ عروبتك، في وطنٍ جامعٍ لك وله، أم أنك حينها، كنت العروبي دونه؟
ومذهبك وطائفتك، أيها التائه في الوطن، هل كانا وما يزالان، معياراً لعروبتك ومواطنتك، لتنفي عروبة ومواطنة أخيك المواطن الآخر، تعييراً باختلاف المذهب والطائفة، والتقائه بمذهب وطائفة مواطني دولة أخرى، لتنسبه إلى مواطنيها، لتخوينه في مواطنته، التي هي بقدر مواطنتك أو ربما هي أكثر تجذراً منها، والتجني عليه، فتقبل شراكة ذاك المكتسب مواطنتك، وتقبل لمن تقتاد، صداقة أعداء عروبتك، ودينك ومذهبك من الصهاينة، وتصفق إعجاباً، بأنهم حماة حماك، الذي تراه بقصر نظر، فيما سبغوا عليك من تمييز مؤقت، يزول وتأتيك الطامة الكبرى بأكثر مما نال نصفك الآخر من المواطنين، في لحظةٍ يقل مالك ويضيق عيشك، لترى أنك تعيش في وطن، ثرواته ينهل منها الغريب دون حساب، وترى نفسك في آخر الصف من بعدهم، وبعد تكاليف إرضاء أعداء عروبتك.
فلا يفدي الوطن، ويبذل الروح والغالي والنفيس له، إلا من سال عرقه وروى تراب الوطن، وصبر وجاهد نصرةً لك في حقك كما هو حقه، وليس هو غريبٌ جيء به، لينصرك على نصفك الآخر، شريكك الحق في الوطن، يرى تعبك تعبه، وعبئك عبئه، وما ينال من حق مدني وسياسي وإنساني، إلا كان نصيبك فيه بمثل نصيبه.
أفلا تستدل دروبك أيها التائه عن الوطن!