يوم أمس (8 أكتوبر/ تشرين الأول 2013) اختتم المعهد الدولي للدراسات
الاستراتيجية مؤتمراً «مغلقاً» جمع فيه خبراء من الغرب والشرق والشمال
والجنوب للتوصل إلى أفكار حول كيفية تخصيص الإنفاق العسكري مع ازدياد الضغط
على الموازنات المالية في كل مكان.
فرع البحرين لهذا المعهد افتتح
في مايو/ أيار 2010، وذلك لتكثيف حضوره بعد أن نظم المؤتمر الأمني السنوي
«حوار المنامة» منذ 2004، ولكن معظم الاجتماعات مغلقة، وليس معلوماً مدى
استفادة البحرين منها، ولاسيما أن البحرينيين محرومون منها، وكانت هناك
شكوى دائماً من «التعامل الفوقي» الذي يتسم به المعهد في البحرين.
المؤتمر
المغلق الذي استمر يومين ونصف واختتم أمس أعرب عن قلقه من أن الإجهاد
المالي من المرجح أن يؤدي إلى كبح قدرة الدولة في حماية أمنها الإستراتيجي،
مشيراً إلى زيادة النفقات العسكرية الصينية وآثارها على الأمن الإقليمي في
آسيا، هذا إضافة إلى الضغط المالي في الولايات المتحدة، والأزمة السياسية
الحالية بين الرئيس باراك أوباما والكونغرس حول الموازنة الفيدرالية، وأن
كل ذلك سيلقي آثاره على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وشرق آسيا.
المشاركون في اجتماعهم المغلق قالوا إن النظام الدولي لا يزال يعتمد على القدرة الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.
على
أن الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط، من ناحية النسبة المئوية، أعلى
بعدة مرات ما هو في أيِّ مكان في العالم، وتتكدس جميع أنواع الأسلحة التي
تلتهم موازنات دول المنطقة، ومع ذلك فإن الأمن لايزال مفقوداً، ونرى كيف أن
مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن
روحاني جعلت هذه النظريات تهتز من كل جانب.
الاجتماعات تبقى مغلقة؛
لأن إطار تفكيرها منغلق على فهم ضيق لموضوع الأمن المعتمد على تكثير
الإنفاق العسكري، وعلى زيادة الهوس حول أية خطوة غير تقليدية، أو أيِّ حدث
غير متوقع، كما نشاهد حالياً منذ اندلاع اضطرابات الربيع العربي.
نلاحظ
حالياً كيف اضطربت الردود على احتمال التقارب الأميركي – الإيراني، والذي
سيؤثر على العلاقات والمصالح المشتركة مع دول في المنطقة تلعب دور الصديق
مع الولايات المتحدة بصفتها حليفاً لا يُقهر.
وقد جاءت تصريحات رئيس
الوزراء الإسرائيلي الأخيرة التي أدلى بها إلى الصحافة الغربية لتعكس
الصورة الأخرى من هذا القلق الذي شجع على اتخاذ خطوات نحو التقارب
الإسرائيلي – الخليجي، وذلك بحسب ما صرحت به وسائل الإعلام الإسرائيلية
المختلفة ضمن سلسلة أخبار وتقارير حللت هذا التقارب ووصفته بـ «تحالف مرتقب
ضد إيران».
الأخطر في نظريات الأمن، أنها جميعها تقريباً تعتمد على
ضرورة زيادة الإنفاق على المعدات العسكرية والأمنية، وأن المصدر المفضّل هو
الدول التي تشتكي حالياً من انعدام الأمن في منطقتنا.
ويوم أمس نقلت
وكالة «يو بي آي» ما كشفته صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية، أن الحكومة
الائتلافية البريطانية الحالية «صادقت على رخص لتصدير أسلحة تحتوي على مواد
ومركبات نووية وبنادق وأجزاء قنابل وغازات مسيلة للدموع إلى أنظمة قمعية».
وقالت
الصحيفة، إن الحكومة الائتلافية البريطانية منحت 5000 ترخيص لمنتجات خاضعة
للرقابة منذ العام 2010. وأشارت إلى أن مركّبات الديوتيريوم، المستخدمة في
الأسلحة النووية، كانت بين منتجات خطرة صادقت الحكومة الائتلافية
البريطانية على تصديرها إلى جانب قنابل غاز وأخرى مسيلة للدموع. وأضافت أن
معدات خاضعة للرقابة، من بينها مكونات للطائرات من دون طيار وقنابل وأجزاء
الصواريخ، تمت الموافقة على تصديرها إلى دول يتم انتقادها من الغرب بسبب
تشديد الخناق ضد احتجاجات مواطنيها، فيما وردت أسماء دول أخرى متهمة
بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان على لائحة التصدير.
ونسبت الصحيفة
إلى متحدثة باسم الحملة ضد تجارة الأسلحة، قولها بأنه حان الوقت لوقف بيع
الأسلحة للأنظمة القمعية، لكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قام
بجولة في منطقة الشرق الأوسط ليتضرع إلى حكامها لشراء الأسلحة البريطانية
على الرغم من أنهم يقمعون ناشطي الديمقراطية.
وطالبت لجنة برلمانية
بريطانية حكومة بلادها الشهر الماضي بتوضيح أسباب منح تراخيص معدات عسكرية
قيمتها نحو 80 مليون جنيه استرليني خلال الأشهر الـ3 الأولى من العام
الجاري، من بينها بنادق قنص وقنابل غاز، إلى دول اعتبرت أن لديها سجلاً
مريباً في مجال حقوق الإنسان.
الحديث في الأروقة المغلقة لم يعد
يجدي، ولا يوفر حلولاً أكل الزمان عليها وشرب، وما يجري في عالمنا اليوم من
اضطرابات لا تنتهي سببه «الأفكار الاستراتيجية» التي لا تحقق أمناً لأيِّ
منطقة أو بلد في العالم.