ليس من الوارد رجوع الجمعيات الديمقراطية المعارضة إلى طاولة الحوار ما
لم تطرح مبادرة جادة، تؤسس لحوار حقيقي هدفه النهائي إخراج البلد من حالة
الاحتقان التي نعيشها منذ فبراير/ شباط 2011.
من المهم قبل استئناف
الحوار، أن تكون هناك نية صادقة لدى الجميع لإجراء مصالحة وطنية بين مكونات
الشعب، تبدأ بوقف الحملات التحريضية على المعارضين، والاتفاق على توصيف
دقيق وغير متحيز لما تمر به الساحة البحرينية من حراك، وإيجاد حالة من
الثقة بين الجميع، فمن دون ذلك لا يمكن أن يؤسس لحوار منتج يرضي جميع
الأطراف.
ومن المهم أيضاً أن تكون هناك قناعة تامة بأن الحل الأمني
لا يمكن أن يكون مخرجاَ، وأن تشديد العقوبات، والحكم بالسجن على المزيد من
المعارضين، لن يزيد الوضع إلا اشتعالاً، وستكون كلفته أكبر بكثير مما
سيحققه طرف من الأطراف على حساب الآخر.
وفي مقابل ذلك، يجب الاعتراف
بأن ممارسة العنف المضاد من قبل بعض الأطراف المعارضة، والغير داخلة أساساً
في عملية الحوار، لا يمكن أن تجبر السلطة على تقديم التنازلات، ولذلك يجب
على الجميع أن يتخذ قرارات شجاعة، وأن يضع مصلحة البحرين والشعب البحريني
بأسره فوق أي اعتبار آخر.
أظن أن الجميع بحاجة لحالة من المصارحة،
قبل المصالحة، كما أن الجميع مطالب بالرجوع لطريق الحق والصدق، والحب
لأبناء شعبه، والابتعاد عن حالة العصبية والطائفية، لكي نستطيع أن نبني
وطناً آمناً لأبنائنا، كما أظن أن الوقت قد حان لكي يراجع كل طرف موقفه
وتحالفاته وحتى قناعاته، وأن يكون صادقاً مع نفسه قبل أن يكون صادقاً مع
الآخرين.
ليس من السهل أن تراقب مجتمعك وهو يدمر نفسه بنفسه، ومن
الصعب أن تقبل بواقع يساق فيه المئات يومياً إلى السجون، وليس من المفترض
أن ترى نظرات الحقد والشك والريبة في عيون شركائك في الوطن، وليس من
الطبيعي أن يتسابق البعض في كيل جميع الاتهامات والتخوين للآخرين، بدلاً من
إظهار المشاعر الأخوية والإنسانية، كما لا يمكن القبول بزرع الكراهية في
نفوس أبنائنا بدلاً من المحبة، لقد أوصى الإمام علي بن أبي طالب (ع) عندما
ولَّى مالك بن الحارث الأشتر مصر أن يكون رحيماً بالناس، ومحباً لهم، وكتب
له «… وأشعِر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن
عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان، إمّا أخ لك في الدين، أو
نظير لك في الخلق».
كم كان جميلاً موقف أبناء البحرين في خمسينات
القرن الماضي، عندما أُريد لهم أن يعيشوا الفتنة الطائفية، فاتحدوا بدل أن
يفترقوا… وكم هو مخزٍ موقف البعض الآن.