موضوع حقوق الإنسان يطرح اليوم بصورة أقوى مما كان عليه في الفترات
الماضية، والسبب يعود في ذلك إلى أن الحراك أصبح جزءاً من حركة توعوية،
عالمية، تدعو وتنشر هذه المبادئ لحفظ كرامة الإنسان في أي بلد من بلدان
العالم. ولهذا لا يمكن إغفال هذه المبادئ التي دائماً جاء ذكرها في المحافل
الدولية التي تتحدث عن عالمية الحقوق وأن على الجميع احترامها وتفعيلها من
أجل تحقيق العدالة.
ورغم ما يُنشر يومياً من تقارير تناهض وتكشف عن
حجم الآلاف من انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم إلا أن البلدان العربية
مازالت من الأنظمة السياسية التي لا تأبى، أو لا تستجيب كما ينبغي، لمثل
هذه التقارير الفاضحة لأنواع الانتهاكات التي ترتكبها بحق المواطن وأيضاً
بحق العامل الوافد وخاصة في الدول التي تشهد طفرات اقتصادية كبيرة.
وفي
الآونة الأخيرة ازدادت السياسات التي تنتهك حقوق الإنسان، وتقمع الحريات
العامة، وتقيد الرأي السياسي أو الانتقاد لأسلوب الحاكم، وتصادر حريات
المواطنين، وأيضاً حقوق العمال الوافدين.
المواطن والعامل الوافد
أصبحا مهدَّدَين بعقوبات من شتى الأنواع، بل إن بعضها يسعى إلى إلغاء
المرء من الوجود – بمعنى آخر – تتم المعاقبة للمواطن بسحب جنسيته والنفي
القسري، أما العامل الوافد فعليه أن يعمل في أية ظروف ومن دون أية حقوق،
دون أن يتكلم. ببساطة إن المطلوب من المواطن أو العامل الأجنبي أن يكون
«عبداً بلا حقوق»… ولذا فإننا نسمع الكثير عن الانتحار في أوساط الأجانب،
ربما بسبب تراكم الديون عليهم، أو لأسباب غير إنسانية أخرى. وهذا يكشف أن
التعدي على الحقوق لا ينحصر في مجال مُعيَّن، ولا يطال المواطن فقط.
للأسف
هذه الممارسات مازالت مستمرة، ولكن ماهو متغير في زماننا هو قدرة المجتمع
الدولي والصحافة العالمية على توثيق حالات الانتهاكات، بينما كانت الحقب
الماضية تفتقر إلى مثل هذه القدرات.
وعليه، فإن ذكر بلداننا في
العالم أصبح يقترن بتوافر الثروة الوطنية، وبنقص الحريات العامة، وباضطهاد
العمال الأجانب، وهذا يحد من قدراتنا لمنافسة الآخرين في المجالات
الحضارية. وحالياً نجد أن هناك حملة صحافية في أوروبا على قطر، إذ تزداد
القصص والتقارير عن أوضاع العمال الأجانب، وهذه الحملات ستزداد أكثر كلّما
اقترب موعد انعقاد دورة العالم لكرة القدم في الدوحة العام 2022.
لقد
كانت دول الخليج تعتقد أن بإمكانها إبعاد الضغط القادم من المجتمع الدولي
من خلال الامتناع عن التوقيع على «الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع
العمال المهاجرين وأفراد أسرهم»، ولكن ما يجري حالياً بالنسبة إلى التغطيات
الإعلامية المتواصلة لأوضاع العمالة الأجنبية في قطر مثل ما نشرته صحيفة
«الغارديان» البريطانية في تقرير لها عن العمالة النيبالية في سبتمبر/
أيلول الماضي إضافة إلى ما تم نشره في اليومين الماضيين بالصحيفة نفسها
وغيرها يوضح أن الضغط لا يتوقع بمجرد عدم التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات.
وبحسب
منظمة العفو الدولية فإن معظم الأشخاص الذين يهاجرون لا يتخذون قرار
مغادرة بلدهم الأصلي بسهولة. ولكن الفقر وعدم القدرة على الكسب أو الإنتاج
بما يكفي لكي يعيل الشخص نفسه أو يعيل أسرة من الأسر هما من الأسباب
الرئيسية لانتقال الباحثين عن عمل من دولة إلى أخرى. ولكن توجد أسباب أخرى
تفسّر لماذا يذهب الناس إلى الخارج بحثاً عن عمل. فالحروب، أو الصراعات
الأهلية، أو عدم الأمن الاقتصادي أو الاضطهاد الناجمين عن التمييز بسبب
العرق أو الأصل الإثني أو اللون أو الدين أو اللغة أو الآراء السياسية هي
جميعاً عوامل تسهم في تدفق العمالة الوافدة.
إن العالم يتجه حالياً
نحو اعتماد مقياس واحد لاحترام الدول، وهذا المقياس يتمثل في مدى احترام أي
دولة في العالم لحقوق مواطنيها وحقوق العمال الأجانب، وأن أفضل حل ليس في
الاعتماد على شركات العلاقات العامة وفي اعتماد المزيد من إجراءات التقييد،
وإنما في الانفتاح على هذا العصر بكل متطلباتها الأساسية، والتي من أهمها
احترام حقوق الإنسان، وكل إنسان من دون تفريق أو تمييز سواء كان مواطناً أم
عاملاً وافداً. وهو أمر لا ينطبق على بلد دون آخر بما فيها دول الخليج؛
لأن تفعيل معاييرحقوق الإنسان يجب أن تكون شاملة ومنصفة لجميع المجتمعات.