قديماً قِيل إن الصياغة الصحيحة للسؤال هي نصف الإجابة، وتنويعاً على هذا نقول إن الوعي بالمشكلة هو نصف حلها، لأنه يشكل المقدمة الضرورية للتفكر ملياً في أمر وضع أجندات للحل الذي وإن أخذ وقتاً، فإن مجرد وجود هذه الأجندات ومتابعة تنفيذها، يخلق ديناميات مفتقدة في حياتنا العربية، أدى غيابها إلى تخثر الدماء في شرايين حياتنا السياسية والفكرية، أفضت إلى ما أفضت إليه من انفجارات وزلازل، لم تكن العدة جاهزة لمواجهة تداعياتها، وتأمين المسارب الآمنة لها .
فما أكثر الندوات والمؤتمرات وورش العمل وحلقات البحث التي أقيمت وتقام في مدننا العربية كل يوم تقريباً، حول قضايا عديدة، ولكن المتمعن في الأمر سيلاحظ أننا ننصرف إلى التفاصيل وننسى الأساس، أو نتحاشاه ونهرب منه .
هل تذهب المناقشات في هذه الأنشطة نحو العمق لتفضي إلى نتائج تستحق الدراسة والتمحيص، وتتحول إلى إرادة عمل لدى الحكومات أو حتى المنظمات غير الحكومية، كل في حقل اختصاصه، فلا يعود المشاركون في هذه الفعاليات يكتفون بسماع صدى أصواتهم بين الجدران الأربعة للقاعات التي ينظمون فيها هذه الورش، ولا تذهب توصياتهم إلى الأدراج والأضابير، فنعود بعد حين لنقول الكلام نفسه، ونصدر توصيات مشابهة، تزيد أو تنقص، لكنها تذهب إلى المصير نفسه .
المجتمعات الحيوية هي التي تزيد فيها الأسئلة على الأجوبة، فذلك دليل صحة وعافية، لأن الإجابة مغلقة ونهائية وحازمة وجازمة، أما السؤال فإنه مفتوح، إنه يشحذ الهمة على التأمل وعلى التفكير وعلى اقتراح الحلول . ما أن نركن إلى الإجابة حتى تنتفي المخيلة، والابتكار . وبمجرد أن نثير السؤال في أمرٍ ألفناه، كعلامة من علامات الشك فيه، نكون قد اقترحنا بداية أخرى للأشياء، كثيراً .
تتشابه الأجوبة في أنشطتنا وأثناء وضعنا في خططنا لأن الأسئلة التي نثيرها هي نفسها الأسئلة المكررة، التي نجترها منذ عقود، ونظل ندور في حلقة التفكير ذاتها، لأن أسئلة مثل هذه غير قابلة لتوليد إجابات أخرى .
الفكرة ليست في بلوغ الإجابة عن أسئلة معتادة، إنما اجتراح أسئلة غير مفكر بها من قبل، أسئلة لم يسبق أن طرحت، فيها استشراف، وبعد نظر، وذكاء، أسئلة الأفق المستقبلي لا أفق الراهن المحدود، الذي يغدو ماضياً بعد حين لن يطول . فيما المطلوب أن تكون الأعين مصوّبة نحو القادم لا نحو الآفل الذي انقضى وطره .