هكذا يُعنون واحد من أبرز المثقفين في العالم رئيس التحرير السابق لجريدة “لوموند دبلوماتيك” اينياسيو رامونيه مقطعاً في كتابه: “حروب القرن الحادي والعشرين”، وفيه يحلل كيف تؤدي آليات العولمة الى الالتفاف حول الأمم ودولها وتعمل على تنقيص مزاياها من حيث كونها أمكنة ملائمة تمارس فيها الديمقراطية، وتضمن فيها الأملاك العامة .
العولمة المالية أنشأت دولتها الخاصة، دولة تتجاوز النطاق الوطني وتملك أجهزتها وشبكات تأثيرها في الرأي العام ووسائل عملها الخاصة، وهذا ما ينطبق على المجموعات المتفرعة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، حيث تنطق هذه المؤسسات بلسان واحد تردد أقوالها الأغلبية العظمى من وسائل الإعلام الكبرى، وهي سلطة من دون مجتمع في مقابل مجتمعات مجردة من السلطة .
يطرح ذلك أسئلة عن حدود السيادة في عالم اليوم المفتوح على بعضه بعضاً، ومدى صدقية الحديث عن التبعية أمام طوفان العولمة التي هَدّتْ الكثير من الأسوار والحواجز، حيث لم تعد الهيمنة تنحصر، كما كانت في مراحل سابقة، في صيغة الاستعمار بمفهومه التقليدي، من حيث هو مصادرة للقرار الوطني المستقل للبلدان الخاضعة له، وإخضاعها بالقوة في معناها العسكري المباشر .
مع نهاية الثنائية القطبية راجت نظريات تُبشر بما دعته أفول السيادة، حيث لم يعد من الجائز الحديث عن استقلال الدول في عالم قائم على الاعتماد المتبادل بين أطرافه المختلفة . وإذا ما وضعنا النوايا الحسنة جانباً، لأنها نوايا لا يُعتد بها في عالم السياسة الدولية القائم على البراغماتية، فإننا يمكن أن نقرأ في هذه الاطروحات تسويغاً وتجميلاً للأشكال الجديدة للهيمنة، فحدود العلاقات الدولية ما زالت تُرسم على لا قواعد التكافؤ، وإنما وفق قواعد إخضاع الضعيف من قبل القوي .
يتحدث مؤلفا كتاب: “ما العولمة؟” عن مفهوم مُبتكر بعض الشيء، يُطلقان عليه “السيادة الجديدة”، رغبة منهما في الذود عن مفهوم السيادة وعدم التنازل عنه أمام طغيان ما هو عالمي، من خلال إعطاء الدولة أدواراً جديدة، من شروطها درجة صادقة من الديمقراطية، بما يقوي الجبهة الداخلية للبلد المعني، ويجعله محُصناً بوجه الاختراقات الماثلة، التي قد تبلغ حد تفكيك الأوطان، وإعادة رسم حدودها .