ما لم تكن هناك نية حقيقية وصادقة من الجميع للخروج من الأزمة الحالية
التي نمر بها، فإن جميع الحلول الترقيعية ومحاولة الالتفاف على التعهدات
التي اتخذتها السلطة على نفسها سواء الخاصة بتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية
لتقصي الحقائق، أو تحقيق 176 توصية أصدرتها دول العالم خلال المراجعة
الدورية لملف حقوق الإنسان في البحرين، لن تقدمنا ولو خطوة واحدة في اتجاه
الحل.
هذه النية تتطلب أساساً الابتعاد عن روح الانتقام والتشفي،
وتسقيط الآخر وتخوينه، كما تتطلب قراءة حقيقية وواقعية للحالة التي تعيشها
البلاد لما يقارب ثلاث سنوات عجاف.
يوم الأحد الماضي رد المحامي
والمستشار القانوني نبيل سعد في صحيفة أخرى على عمود كتبته الجمعة الماضي
حول الندوة التي أقامها مركز الجزيرة الثقافي حول «حرية الصحافة والتعبير»،
أكدت فيه أهمية الحوار بين أبناء الوطن الواحد، كما انتقدت دور الصحافة في
بث روح الفتنة والصراع الطائفي خلال الفترة الماضية. بالطبع فإن رد
المحامي نبيل سعد لم يخرج ولو قليلاً عن دائرة الأعمدة اليومية التي تحفل
بها جرائدنا وهي تردد دون وعي أو تفكير متزن، اتهامات معلبة للقوى الوطنية
المعارضة لو ثبت إحداها لما تردّدت السلطة ولو للحظة واحدة في اتخاذ
الإجراءات القانونية حيالها.
في رده أثار الكاتب ثلاثة محاور أساسية أرى أهمية الرد عليها.
الأول
يتصل بمفهوم المعارضة والإرهاب، حيث أكد في مقالته أن جميع المعارضين
لدينا في البحرين ماهم إلا إرهابيون «وفقاً لكل الأعراف والمواثيق الدولية،
فمن يحرق ويقتل ويفجّر ويحرّض ويدعو بكل صراحة للسحق والقتل ليس إلا
إرهابيا»، أما المحور الثاني فهو ما يتصل بالحوار الوطني القائم الآن، وهل
يمكن التحاور مع من انسحب من البرلمان وهل فعلاً أن الحوار «يعتبر بحد ذاته
مخالفاً لكل الاعراف». أما المحور الثالث فهو دور الصحافة في نشر الفتنة
الطائفية.
ورغم أن ما كتبته في العمود الأول يتصل أساساً بالمحور
الثالث، إلا أنني أستميح العذر في أن أؤجل مناقشة هذا المحور إلى عمود لاحق
إن شاء الله، سأحاول أن أظهر فيه وبشكل موثق وبالتواريخ من هو الذي يكذب
ويفبرك الأخبار والتصاريح الصحافية وحتى الصور.
بالطبع فإن الكاتب
وفي نهاية مقالته لم يبخل في توجيه التهم ذاتها من قبيل إنني «صحافي
أيدولوجي مسيس»، وهي تهمة لا أنكرها، في حين أنكر باقي التهم الخاصة بالكذب
والنفخ في نار الطائفية والساعي لإقامة نظام الولي الفقيه في البحرين،
ويبدو أن الأخ نبيل سعد قد وجّه لي كل هذه التهم دون أن يعرف عني شيئاً،
فمثلاً أنني أنهيت دراستي الجامعية في الإتحاد السوفياتي «الإشتراكي» وليس
في قم المقدسة «الدينية».
أقول إن من المهم قراءة الواقع السياسي
الحالي الذي تمر به البحرين بشكل منطقي وعقلاني، ما يستدعي طرح أسئلة
جوهرية لا يمكن تجاهلها، ومع أن أجوبتها بسيطة جداً، أو لنقل أن جميع هذه
الأسئلة يمكن الإجابة عليها بمجرد عشر كلمات لا غير، فإن من يماطل ومن ينكر
الحقائق الواضحة لن يتمكن من الإجابة، حتى لو جنّد العشرات من الكتاب
والمستشارين.
هل يمكن للكاتب العزيز أن يجيبني لماذا تحاور السلطة
«الإرهابيين» بدل أن تسجنهم؟ ولماذا تعهدت الدولة بتنفيذ توصيات لجنة تقصي
الحقائق رغم أن جلّ هذه التوصيات تصب في صالح القوى المعارضة والتي تسميها
أنت «القوى الإرهابية» بما في ذلك إتاحة المجال أمام هذه القوى للظهور في
وسائل إعلام الدولة؟ لماذا أمطرت دول العالم السلطة في البحرين بـ 176
توصية وتعهدت السلطة بتطبيقها؟
لماذا فشلت شركات العلاقات العامة
الأجنبية والتي صرف لها الملايين من الدولارات في تصحيح الصورة المغلوطة عن
البحرين في وسائل الإعلام العالمية؟ لماذا يتخذ السواد الأعظم من المنظمات
الحقوقية الدولية موقفاً معادياً للحكومة البحرينية؟ ولماذا تنتقد
المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الإجراءات المتخذة من قبل
السلطة في البحرين؟ ولماذا ينتقد البرلمان الأوروبي تضييق الحريات وعدم
السماح بالتعبير عن الرأي في البحرين؟
ثم لماذا تصرح جمعيات ائتلاف
الفاتح بأن مطالبها تتطابق بنسبة 80 في المئة مع المطالب التي يطرحها
«الإرهابيون»؟ ولماذا انتقدت جميع دول العالم خطوة اعتقال وتعذيب الطاقم
الطبي؟ ولماذا ثبتت براءتهم فيما بعد؟ ولماذا وقفت منظمة العمل الدولية ضد
قرار فصل أكثر من 3000 موظف وعامل بحريني من وظائفهم؟ ولماذا تراجعت الدولة
عن هذه الخطوة؟
هناك العديد من مثل هذه الأسئلة وغيرها، والتي يمكن الإجابة عليها بأن «هناك حقوق ومطالب عادلة لجميع أبناء هذا الوطن يجب تحقيقها».