المنشور

الليبراليون واليسار

يبدو أن الأحزاب الوطنية والديموقراطية والقومية والتقدمية في مصر سترتكب
الخطأ نفسه الذي ارتكبته في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الماضية،
عندما لم تنسّق وتتّفق على مرشح «مدني» واحد يمثل هذه المرحلة التي تتطلب
توافقاً يحقق الحد الأدنى لأهداف الثورة، حيث رشح كل حزب شخصية شتّتت أصوات
الناخبين المصريين وأضعفت فرص وصولهم للسلطة بغالبية، وهذا ما فتح الطريق
أمام القوى الإسلامية المتوافقة على حصد الأصوات.


وقد كانت أحد أسباب نجاح الموجة الثانية لثورة 25 يناير 2011م، والتي كانت
سبباً في السقوط السريع لنظام الاخوان المسلمين، عندما خرج أكثر من ثلاثين
مليون مواطن في ميادين كل المحافظات المصرية في 30 يونيو بشكل غير مسبوق في
تاريخ مصر، كانت أحد أسباب نجاحها هو اتفاق جميع هذه الأحزاب لتشكيل جبهة
وطنية واسعة ذات أهداف واضحة فرضت خارطة طريق على القوات المسلحة المصرية،
التي لم يكن أمامها سوى الانصياع لهذا الإجماع.


وأكد سكرتير عام الحزب الشيوعي المصري صلاح عدلي: «ان تحالفات الأحزاب
الليبرالية الذي ضم (المصري الديموقراطي والمصريون الأحرار والوفد)، بإعلان
خوض الانتخابات بعيداً عن الأحزاب اليسارية سيضر بوحدة جبهة الإنقاذ»
مشيراً «إلى ضرورة التنسيق بين القوى الثورية تحت قائمة انتخابية واحدة
والدفع بمرشح رئاسي واحد».


ومن جانب آخر، قال عضو الحزب الشيوعي المصري حمادة الكاشف: «انهم بصدد
تأسيس تحالف اشتراكي واسع من شباب اليسار المصري، وذلك للعمل المشترك في
القضايا السياسية والشبابية»، مؤكداً: «أنهم يحملون مفهوماً مختلفاً
للعدالة الاجتماعية عن بقية القوى السياسية» وأضاف: «أنهم يعيشون أزمة
المواطنين المطحونين ويرون أن مشاكل العمال والفلاحين لابد وأن تحل لأن
هؤلاء هم الذين يبنون المجتمع ولا يجب تجاهلهم، كما أنه لا يجب بعد الثورة
أن نرى أطفالاً في الشوارع بلا مأوى أو مواطنين مصريين يسكنون العشوائيات
أو المقابر، ولهذا توافقنا على إنشاء (جبهة الشباب الاشتراكي) وهو تحالف
سيضم أحزابا وحركات اشتراكية هي حزب التجمع وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي
والحزب الشيوعي المصري والحزب الاشتراكي، والحزب الناصري الموحد وحزب
الكرامة واتحاد الشباب الاشتراكي، وسوف يُعقد مؤتمر صحافي للإعلان عن هذه
الجبهة وورقة العمل السياسي».


ونرى أن ما يحدث في مصر هو تكريس وإقصاء وربما عداء تاريخي لقوى اليسار ليس
فقط من المخابرات الأميركية والأنظمة العربية والقوى الإسلامية، ولكن
أيضاً من القوى الليبرالية التي تحمل عداء غير مبرر لليسار ولا يتسق مع
قضايا الوطن والمواطنين.


وهذا لا يحدث لليسار العربي بشكل عام فقط، ولكنه يحدث لليسار في الخليج
أيضاً على كل ما يعانيه من مشكلات ذاتية، وبطء في تجاوز عراقيل الماضي
وتطوير لأساليب النضال، إضافة إلى النزعات الليبرالية بداخله.


إن تحقيق متطلبات الثورة الوطنية الديموقراطية أو الإصلاح الديموقراطي في
بلداننا العربية يتطلب قدراً أكبر من التوافق الوطني بين جميع الاتجاهات
ذات المصلحة في التقدم والتطور والديموقراطية وبناء مجتمعات القانون
ومؤسسات المجتمع المدني والتنمية الذاتية، والابتعاد عن الخلافات الفكرية
التي تزيد التشرذم وتضعف القوى الوطنية وتبعدهم عن هموم الجماهير.


ومشكلة الليبراليين هي أن عيونهم ترنو إلى كرسي الانتخابات كهدف رئيسي
وإغفال مصلحة الوطن والجماهير، وينسون أن العمل الجماهيري لا يقتصر على
الانتخابات البرلمانية التي تعتبر أحد أشكال العمل الجماهيرية ولكنه ليس
الوحيد.