ثانيا : وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال
الحكومة في حوار التوافق الوطني
تقديم
الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة هي جوهر الرقابة السياسية، فالبرلمان كما يقول فقهاء القانون العام هو قبل كل شيء جمعية مراقبين، ومهمته الأولى – وربما الأكثر أهمية من التصويت على القوانين أي التشريع – هي مراقبة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وسحب الثقة، وتشكيل لجان التحقيق وإجبارها على تبرير تصرفاتها وقراراتها أمام الناس، وحيث أن هذه الرقابة تتطلب النشر، فإنها تشكل ضمانة لحقوق الأفراد وتكفل حرياتهم ضد تصرفات الحكومة ومؤسساتها .
وإذا كانت الرقابة البرلمانية بهذا المعنى، فما هو مداها في التعديلات الدستورية التي تمت على الدستور في ضوء مخرجات حوار التوافق الوطني الأول ؟؟
أن القراءة الواقعية لهذه التعديلات الدستورية لوسائل الرقابة البرلمانية تقتضي القول بأنها تعديلات إيجابية أي أفضل مما كانت عليه عند صدور الدستور 2002. فقد أعطت هذه التعديلات مدة زمنية لرد الحكومة على الاقتراح برغبة هي ستة أشهر، وأعادت الاعتبار لوسيلة كان دستور 1973 قد نص عليها وتجاهلها دستور 2002 وهي، طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه، حسب المادة (68/ أ و ب) من الدستور. وقصرت توجيه الأسئلة للوزراء على أعضاء مجلس النواب بعد أن كانت مشتركة بين أعضاء المجلسين حسب المادة (91) الفقرة الأولى. وجعلت مناقشة الاستجواب في المجلس إلا إذا قرر المجلس بأغلبية أعضاءه مناقشته في اللجنة المختصة، وأبقت على إجراءات سحب الثقة في الوزراء، وتأليف لجان التحقيق دون تعديل، وعدلت في وسيلة عدم أمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إذ أصبح لعشرة أعضاء مجلس النواب التقدم به بدلا من ثلثي الأعضاء ، وأصبح إقراره بأغلبية الثلثين لمجلس النواب وحده بدلاً من المجلس الوطني ، وأضافت التعديلات الدستورية وسيلة جديدة هي إقرار مجلس النواب لبرنامج الحكومة غير أن عيوبا ونواقص قد شابت بعض هذه الوسائل يتعين معالجتها في حوار التوافق الوطني القائم ونبين ذلك على التفصيل الأتي :
أولا : في الاستجواب :
يعد الاستجواب من أهم وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، إذ يحقق رقابة فعليه لمجلس النواب في مواجهة السلطة التنفيذية، وهو يعني محاسبة الوزير واتهامه في الوقت ذاته ، وقد يؤدي إلى تحريك مسئوليته السياسية بطرح الثقة به وإجباره على الاستقالة ، والاستجواب على عكس السؤال يفتح مناقشة حقيقية لا يشارك فيه مقدمو الاستجواب وحدهم بل سائر الأعضاء .
التعديل الدستوري للاستجواب مازال يتعارض مع الفقه الدستوري: انتقدنا في دراسات سابقة ما نص عليه دستور 2002 حين جعل من مناقشة الاستجواب داخل اللجان إذ لم نجد في القانون الدستوري المقارن مثالا لما سار عليه دستور البحرين ، غير أن التعديلات الدستورية التي تمت على الدستور في 3 مايو 2012 بشأن الاستجواب رغم إيجابيتها النسبية أبت أن تجعل من هذه الوسيلة الهامة وسيلة فاعلة ، ذلك أن التعديل الدستوري بشأن الاستجواب الذي نصت عليه المادة (65) المعدلة من الدستور وان نصت على أن مناقشة الاستجواب تتم في المجلس ، إلا أنه إذا قرر أغلبية أعضائه عدم مناقشته في المجلس ، فأن مناقشته تتم في اللجنة المختصة .
وإذا كنا نرى أن هذا التعديل الدستوري يعد خطوة متقدمة عما كان معمول به فأن هذا التعديل يظل متعارضا مع ما هو مقرر في الفقه الدستوري وفي القوانين المقارنة التي نصت على أن مناقشة الاستجواب لا يكون في اللجان بل في المجلس النيابي ، كما هو الحال على سبيل المثال في الكويت ، الأردن ، مصر ، البحرين في مجلس 1973 .
تعديلات اللائحة الداخلية الجديدة لمجلس النواب قيدت الاستجواب وقللت من ايجابية التعديل الدستوري وذلك فيما يلي
1- وضعت إجراءات طويلة للاستجواب حتى يصل لمرحلة المناقشة في المجلس أو اللجنة المختصة حسب الأحوال :
* إذ يقدم طلب الاستجواب حسب المادة (145) من اللائحة إلى رئيس المجلس ، مشتملا بصفة عامة على موضوعه ، مع توافر الشروط التي نصت عليها المادة المذكورة .
* ثم يحيل رئيس المجلس الاستجواب فور تقديمه إلى مكتب المجلس لإبداء الرأي في مدى توافر الشروط الشكلية حسب نص المادة (145 مكررا)
* ويعد التحقق من توافر الشروط الشكلية في الاستجواب يعرض رئيس المجلس الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية حسب نص المادة (145مكرراً (1) ) للتحقق من جدية الاستجواب وللتأكد من توافر الوقائع والمستندات والأدلة المؤيدة لوجهة نظر مقدمي الاستجواب.
وإذا كنا نرى انه من المقبول أن يقدم الاستجواب لرئيس المجلس ثم إلى مكتب المجلس فأن ما استحدثته المادة الجديدة ( 145مكرر 1) من اللائحة الداخلية بضرورة عرض الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (21) من هذه اللائحة للتحقق من جديته ، فيه مضيعة لوقت المجلس وتكرار لما سيقوم به مكتب المجلس ، خاصة وان تعديلات اللائحة الجديدة قد نصت في المادة (15)على توسعة أعضاء مكتب المجلس إذ أصبح يتكون من الرئيس ونائبيه، ويضم إليهم رؤساء اللجان النوعية المنصوص عليها في البنود أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من الفقرة الأولى من المادة (21) من هذه اللائحة بمجرد انتخابهم .
2- نصت اللائحة الداخلية على حالات سقوط للاستجواب تتعارض مع القانون الدستوري المقارن :
* فالاستجواب كما هو مقرر في الفقه الدستوري لا يسقط إذا سحب أو أسترد العضو مقدم الاستجواب استجوابه إذا كان قد انضم إليه عضو آخر وأصر هذا العضو على مناقشة الاستجواب ( انظر في ذلك د.إبراهيم عبد العزيز شيحا – تحليل النظام الدستوري ص 303 ) وهو ما نصت عليه اللوائح الداخلية للمجالس التشريعية منها مثلا اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي في المادة المادة 141 التي نصت على انه ( إذا تنازل المستجوب عن استجوابه أو غاب عن الجلسة المحددة لنظره فلا ينظره المجلس إلا إذا تبناه في الجلسة أو قبله أحد الأعضاء.)
* فإذا كان ذلك هو المقرر في الفقه والقانون المقارن ، فأن ما نصت عليه المادة (150) من اللائحة الداخلية إذا ترتب على استرداد الاستجواب من أي مقدميه نقص عدد المستجوبين عن خمسة ، يستبعد الاستجواب من جدول الأعمال ولا ينظر فيه. أو ما نصت عليه الفقرة الثانية من ذات المادة والتي استحدثها التعديل الجديد ويعتبر عدم حضور احد مقدمي الاستجواب الجلسة المحددة لمناقشته في المجلس أو اللجنة استردادا منه للاستجواب ، لا يعد انتقاصا من حق بقية أعضاء مجلس النواب في مناقشة الاستجواب والانضمام إلى مقدميه فحسب بل اعتداء عليه . وكان الأجدر أن تنص التعديلات الجديدة للائحة الداخلية لمجلس النواب على عدم سقوط الاستجواب في حالة استرداده من أحد مقدميه أو عدم حضوره جلسة مناقشة الاستجواب إذا أنضم إليه عضوا بديلا عنه .
* وإذا كان من المقبول أن يسقط الاستجواب حسبما نصت عليه المادة (151) من اللائحة الداخلية بزوال صفة من وجه إليه ، أو انتهاء عضوية أحد مقدميه لأي سبب من الأسباب إذا ترتب على ذلك أن نقص عدد المستجوبين عن خمسة ، غير أنه من غير المنطقي أن يظل النص في المادة المذكورة على سقوط الاستجواب بانتهاء الدور الذي قدم خلاله ، وذلك بالنظر لقصر مدة دور الانعقاد ، وبالنظر للمهام والأعمال التي يقوم بها مجلس النواب وازدحام جدول إعماله خلال دور الانعقاد ، فضلا عن سقوط الاستجواب خلال دور الانعقاد الذي قدم فيه ضياع لجهود مقدمي الاستجواب واللجان التي تبحث سلامته القانونية والدستورية ، وكان الأجدر النص على سقوطه بانتهاء الفصل التشريعي بدلا من سقوطه في دور الانعقاد الذي قدم خلاله فإذا انتهى دور الانعقاد دون البت في الاستجواب يستأنف المجلس نظره بحالته عند بدء الدور التالي .
ثانيا : في سحب الثقة بالوزراء :
قد يؤدي الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة بالوزير على مجلس النواب وذلك حسب الاوضاع التي نصت عليها المادة 66 من الدستور وذلك بطلب موقع من عشرة أعضاء من مجلس النواب إثر مناقشة استجواب موجه إليه فإذا قرر مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ، ويقدم استقالته فورا.
لكن المادة (153) من اللائحة الداخلية أعتبرت عدم وجود أحد الإعضاء العشرة مقدمي اقتراح سحب الثقة بالوزيرتنازلا عن الطلب وفي ذلك مصادرة ليس لحق باقي النواب مقدمي اقتراح سحب الثقة بالوزير فحسب ، بل لكل أعضاء مجلس النواب الحاضرين ، ذلك ليس هناك ما يمنع في التشريع أن ينظم أحد الأعضاء الحاضرين إلى طلب سحب الثقة بدلا من العضو غير المتواجد ، كما أن هذا القيد يفسح مجالا للتلاعب في الطلب بحيث يمكن التأثير على أحد الأعضاء العشرة بعدم حضور الجلسة المحدد لعرض الطلب .
ثالثا:في عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء :
إذا كان هناك من إيجابية في التعديلات الدستورية بما نصت عليه المادة (67) البنود (ب، جـ، د) من الدستور والمتعلقة بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إذ أصبح لعشرة أعضاء من مجلس النواب التقدم به بدلا من ثلثي الأعضاء ، وأصبح إقراره لمجلس النواب وحده بدلاً من المجلس الوطني بأغلبية الثلثين ويرفع الأمر إلى الملك للبت فيه، بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة، أو بحل مجلس النواب ، فإن هذه الإيجابية لن تتحقق في الواقع ، فإذا كانت الأغلبية العادية لمجلس النواب هي محصنه بالنظام الانتخابي غير العادل يصعب تحقيقها فكيف يمكن أن تتحقق في ظل هذا النظام أغلبية الثلثين لصدور قرار بعدم أمكان التعاون مع رئيس الوزراء ؟ ، وهذه الإيجابية لا تقارن بما نصت عليه المادة 69 الفقرة الأخيرة من دستور 1973 التي نصت على أنه إذا حل المجلس وتجددت تولية رئيس مجلس الوزراء المذكور ولكن قرر المجلس الجديد ، بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم ، عدم التعاون معه كذلك ، اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن ، وتشكل وزارة جديدة..
وحكم سقوط طلبات وسائل الرقابة في اللائحة الداخلية لا يقتصر فقط على طلب الاستجواب وسحب الثقة بالوزير ، بل تمتد إلى وسيلة عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء إذ تنص المادة (157) من اللائحة الداخلية على انه “يعرض الرئيس على المجلس طلب عدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء فور انتهاء مكتب المجلس من إعداد التقرير بشأنه ، وذلك بعد أن يتحقق من وجود مقدمي الطلب بالجلسة ويعتبر عدم وجود أحدهم بالجلسة تنازلاً عن الطلب، ويترتب عليه إسقاطه”.
رابعاً: في إقرار برنامج الحكومة :
كانت المادة ( 46 ) من الدستور تقتصر على النص بأن ( يؤدي رئيس مجلس الوزراء والوزراء ، أمام الملك ، وقبل ممارســـــة صلاحياتهم اليمين المنصــــــوص عليها في المادة (78) من هذا الدستور ) ، غير أن التعديلات الدستورية أضافت فقرة جديدة إلى المادة المذكورة ، وهي إضافة إيجابية ، فحواها أن يقدم رئيس الوزراء برنامج الحكومة لمجلس النواب لإقراره ، فإذا لم يقره أغلبية أعضاءه تقوم الحكومة بإعادة تقديمه إلى المجلس بعد إجراء ما تراه من تعديلات ، فإذا أصر المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه على رفض البرنامج للمرة الثانية قبل الملك استقالة الوزارة وتشكل وزارة جديدة ، فإذا لم يقر المجلس برنامج الوزارة الجديدة بذات الإجراءات السابقة فأن للملك خياران إما حل المجلس أو يقبل استقالة الحكومة ويعين وزارة جديدة .
غير أن اشتراط هذه الفقرة توافر أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب إذا أصر المجلس على رفض البرنامج للمرة الثانية، ينال من هذه الايجابية، إذ يتعذر في الواقع توافر مثل هذه الأغلبية في ظل تركيبة المجلس الراهنة بسبب يعود إلى طبيعة النظام الانتخابي الذي جرى تفصيله بمقاس لا تحقق فيه أغلبية معارضة.
وضع عيوب ونواقص وسائل الرقابة البرلمانية على جدول أعمال الحوار :
فإذا كانت تلك هي إيجابيات وعيوب ونواقص بعض وسائل الرقابة البرلمانية التي يتمتع بها مجلس النواب وحده دون مجلس الشورى والتي جاءت بها التعديلات الدستورية على ضوء مرئيات الحوار الوطني الأول ، فهل يمكن للحوار الوطني الحالي أن يضع هذا المحور على جدول أعماله ويتصدى لمعالجة ما شاب هذه الوسائل من عيوب ونواقص ؟.
بالتأكيد يمكنه ذلك طالما أن وسائل هذه الرقابة تدخل ضمن المحور السياسي وطالما أن هذه الوسائل تعد من أهم اختصاصات مجلس النواب ، ومعالجتها معالجة صحيحة على النحو الذي أشرنا إليه سلفا يسهم إلى جانب معالجة الاختصاص التشريعي في الخروج من الأزمة السياسية والدستورية.
يتبع ثالثاً : النظام الانتخابي في حوار التوافق الوطني
للاطلاع على الحلقة الاولى من هذا الموضوع
إضغط على الرابط:
هل من برنامج للمصالحة في حوار التوافق الوطني ؟!