ما الثابت الباقي وما المتغير المتحول في دنيا السياسة؟
سؤال مثل هذا يخطر على الذهن حين يجد المرء متسعاً من الوقت للتفكير في أحوال هذه الدنيا، كيف تدور وتمور، أو حين نقرأ أو نسمع عن خبر من قبيل ذاك الذي يقول إن ألمانيا صنفت بقايا جدار برلين كآثار تاريخية، وأن الجهات المختصة ترى في هذه البقايا، باعتراف الجميع، شهادة مهمة عن التاريخ الألماني الحديث، وينبغي بالتالي الحفاظ عليها . وتوجد البقايا في الشارع المعروف باسم “برناور شتراس”، حيث تم الاحتفاظ بقطعة من الجدار بين لوحين معدنيين .
قبل ذلك كانت السلطات قد اعتبرت أنه ينبغي التخلص تماماً وبأسرع ما يمكن من هذا الجدار الموروث عن زمن انقسام البلد، قبل أن تفطن إلى حقيقة أن التاريخ لا يلغى بازالة آثاره .
كنت قد زرت برلين في زمن انقسامها، وجلت حول هذا السور من جانبيه . وإن كنت أنسى فإني لا أنسى تلك الساعة التي قضيتها وأصدقاء في المطعم البانورامي الذي يطوق برج التلفزيون في الشطر الشرقي من العاصمة التي كانت قد قسمت بقرار من الحلفاء الذين تقدموا إلى ألمانيا من محاور مختلفة في نهايات الحرب العالمية الثانية للإجهاز على النازية وعلى هتلر شخصياً في عقر الدار .
من هذا المطعم بإمكانك أن ترى هذا السور، وهو يدور، الجزء الغربي من العاصمة من الجهات الكاملة، ويقطع الشارع الرئيس المؤدي إلى مبنى الرايخسناغ البرلمان الذي لابد وأن يكون هتلر قد ألقى فيه خطبه النارية مرة أو مرات .
كان السور يبدو حقيقة ثابتة، مطلقة لن تزول، وإذا كانت ستزول فإن ذلك لن يتم قريباً . نحن إزاء عالمين، ثقافتين، معسكرين وأمة واحد انشطرت إلى شطرين شأنها في ذلك شأن كل أوروبا التي انقسمت بفعل نتائج الحرب .
كان الجدار قد شيد على عجل في الثالث عشر من أغسطس/آب عام ،1961 حيث أفاق الألمان ذات صباح على دعائمه التي أقيمت في الليل وجعلت منه أمراً واقعاً، كان مصير من يتخطاه الهلاك، والهلاك وحده، والجدار الذي قدر من أشاده أنه سيصبح سداً منيعاً لا ينهار، انهار في صبيحة مشابهة في نوفمبر من عام ،1989 حتى قبل أن يتم عقود عمره الأربعة .
لا ثابت في هذه الدنيا . الثابت الوحيد فيها هو التغيير .