مهما كان الغطاء، ومهما كانت الأساليب سواءً كانت بشكل قسري كما حدث
أيام السلامة الوطنية من فصل أكثر من ثلاثة آلاف موظف من القطاعين العام
والخاص، أو بشكل شبه قانوني كما حدث في تزوير إرادة المؤسسات الأهلية، أو
حتى بشكل قانوني لا يمسه الباطل من خلال التعيينات في المناصب الرسمية
المهمة، فإن ما يجري الآن هو وأدٌ للدولة المدنية التي خلقها المواطن
البحريني عبر عطائه وإصراره وتضحياته، وخلق دولة جديدة تقوم على أسس قبلية
وطائفية، يكون الولاء فيها قبل كل شيء.
إن ما تم تحقيقه من تطور في
طريق الدولة المدنية الديمقراطية، حتى إن كان ناقصاً ولا يرضي الطموح، يتم
القضاء عليه بشكل متعمد خلال هذه المرحلة المظلمة من تاريخ البحرين.
ليس
هناك دولةٌ ديمقراطيةٌ في العالم الآن تتعمد إبعاد وتهميش المعارضين
للحكومة، فما بالك بإبعاد وتهميش طائفة بأكملها، تمثل على أقل تقدير نصف
مواطنيها، باستثناء مجموعةٍ صغيرةٍ ارتضت أن تلغي هويتها لتكون مجرد تابع،
وليس له من المؤهلات إلا الطاعة العمياء.
لا يمكن بناء الأوطان
وتطويرها وتنميتها في هذا العصر المتقدم من خلال الطاعة وحدها، وإنّما يتم
ذلك من خلال تمكين القدرات والكوادر الخلاقة والمبدعة، مهما كانت توجهاتها
السياسية أو الأيدلوجية.
ما نراه الآن من تحطيم للبنى التحتية
للمجتمع ليس فقط على مستوى المؤسسات الأهلية ولكن حتى على مستوى المؤسسات
والهيئات الحكومية، لأسباب لا يجهلها أحد، كما يحدث لمعهد البحرين للتدريب،
ينبئ عن مستقبل أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه سيكون رديئاً للأجيال المقبلة
بشكل خاص وللبحرين بشكل عام.
لا يمكن لأية دولة، أن تبنى عن طريق
الإقصاء والتمييز والتهميش، مهما كانت الظروف التي تمر بها، وإنما من خلال
احتضان جميع أبنائها بغضّ النظر عن دينهم أو طائفتهم أو موالاتهم أو
معارضتهم للحكومات القائمة، فإن الأوطان لا تختصر بحكومة أو فئة أو شخصيات
معينة.
في السابق كان إبعاد طائفة معينة عن أهم وأكبر المؤسسات
الحكومية كوزارتي الدفاع والداخلية، واللتين كان من المفترض أن تستوعبا
أغلبية المواطنين وخصوصاً المتسربين من التعليم، إلى الاتجاه بشكل معاكس،
وكان ذلك خطأ استراتيجياً مازالت الدولة تدفع ثمنه غالياً، لذلك اضطر
أغلبية هذه الفئة إلى التركيز على التعليم الجامعي أكثر فأكثر، ومن لم
يحالفه الحظ في التعليم، سعى لفتح مشروعه الخاص، ومن لم يمكنه ذلك عمل في
مختلف الوظائف المتدنية، التي لا يقبلها الشباب من الطائفة الأخرى، والذي
فتحت له الأبواب دون شروطٍ للدخول في السلك العسكري، وفي النتيجة كانت
المحصلة في صالح من تم استبعادهم حيث اضطروا للولوج في مختلف القطاعات
الاقتصادية وشغل مختلف الوظائف سواءً العليا منها أو الدنيا، ولهذا وجدت
الدولة نفسها في مشكل كبير عندما بدأت التحركات الشعبية في العام 2011
وأضرب الكثيرون عن العمل، ما هدّد بإصابة الدولة بالشلل الكامل.
وكما
أخطأت الدولة حينها في استبعاد طرف معين عن السلك العسكري، فإنها تعيد
الخطأ نفسه مرةً أخرى في الوقت الراهن، من خلال استبعادهم عن الوظائف
العليا وتهميشهم، وذلك خطأٌ فادحٌ لن تظهر نتائجه إلا في المستقبل، وربما
في المستقبل القريب جداً.