كان مثيراً للدهشة وقوف الولايات المتحدة الأميركية
وحلفائها، من الدول الغربية، ضد ثورة الشعب المصري التصحيحية في 30 يونيو
2013، وانحيازهم للإخوان، بدعوى انحياز الجيش للحركة الشعبية المطالبة
بتنحية الرئيس مرسي وإسقاط حُكم الإخوان ومشروعهم في أخونة الدولة، بعد
خروجها عن الأصول الديموقراطية.
وقد تذرَّعت أميركا وحلفاؤها بعدم جواز تدخل الجيش
لإسقاط رئيس جمهورية جاء عن طريق الانتخاب، من دون الأخذ بعين الاعتبار
مخاوف المصريين من أن استمرار مرسي في الحُكم ومضي الإخوان في أخونة الدولة
سيؤديان إلى اغتيال الديموقراطية، تطبيقاً لمقولة «ديموقراطية مرة واحدة»،
كما تعكسه تجارب الأنظمة التي استولت على السلطة بستار الدين.
فقد طالبت أميركا بإطلاق سراح مرسي وزعماء الإخوان
المحتجزين، تحت طائلة دعاوى قضائية ضدهم، وما لم تعبّر الإدارة الأميركية
عنه صراحة، قامت بتلك المهمة وسائل الإعلام الغربي.
تفسير
ما هو إذن تفسير هذا الموقف؟ هل يمكن أن نصدق أن أميركا وحلفاءها أصبحوا أنصاراً للديموقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط؟
لم يكن معهوداً من المعسكر الغربي حرصه على التطور
الديموقراطي في الدول النامية، وموقفه في هذا الشأن معروف، والتجارب
التاريخية مفجعة، مع استثناءات قليلة، فحلفاء أميركا في الدول النامية
تجمعهم صفة الاستبداد والانفراد بالسلطة والاعتماد على قوى الأمن لخنق
الحريات وحقوق الإنسان، وصد أي خطوة للتطوُّر الديموقراطي.
فأميركا ومخابراتها هي مَن هندس إسقاط حكم «ايندي»
رئيس تشيلي، الذي جاء عبر الانتخابات عام 1973، ومن الصدف أن تكشف أوراق
المخابرات المركزية الأميركية (CIA) عن دورها في إسقاط حكومة مصدق في إيران
عام 1953، والتعاون مع الجنرال زاهدي لعودة شاه إيران.
وأميركا تحالفت وتعاونت وسكتت عن الأنظمة السياسية في
المنطقة العربية التي صادرت حقوق الإنسان، وخنقت الحريات، حتى في حدودها
الدنيا، ودع عنك تأييد التطوُّر الديموقراطي.
جذور العلاقة
فما سر موقف أميركا وحلفائها وهذه البكائية على ديموقراطية الإخوان وصندوق الانتخابات الذي أوصل مرسي إلى الرئاسة؟
تفسير ذلك يكشفه تطوُّر علاقة الأميركان بالإخوان،
فجذور هذه العلاقة تمتد، تاريخياً، إلى عقد الخمسينات من القرن الماضي،
عندما اتجهت المخابرات الأميركية للبحث عن حلفاء لاستخدام راية الدين
الإسلامي ضد المد الشيوعي، ووجدت ضالتها، آنذاك، في شخص «سعيد رمضان»، الذي
تولت أميركا تمويل مشروعه، بإنشاء الرابطة الإسلامية العالمية في ميونخ
(في ما فرف بمسجد ميونخ)، ورتبت له مقابلة الرئيس آيزنهاور، عبر دعوته
لمؤتمر نظّمته في جامعة برنستون العريقة حول الإحياء الإسلامي الذي تم
تمويله عن طريق شركة نفط عاملة في دولة خليجية، ورتبت المخابرات لسعيد
رمضان وبعض الحاضرين في المؤتمر زيارة إلى البيت الأبيض لمقابلة آيزنهاور،
وشجّع هذا اللقاء إدارة الرئيس الأميركي ووزير خارجيته جون فوستر دالاس على
الموافقة على دعم الإخوان ضد النفوذ السوفيتي في مصر بزعامة الرئيس
عبدالناصر.
تجدد التعاون
كان ذلك في عقود ماضية، وفي مطلع القرن الحالي، عادت
الجهود لإحياء تلك العلاقة، التي كان من مؤشراتها توافر معلومات عام 2005
عن تطور اتصالات بين الإخوان والأميركان، كان يقوم بها خيرت الشاطر وعصام
العريان، والتي كانت تدور حول تحديد موقف جماعة الإخوان من القضايا
الراهنة، آنذاك، وقد حققت نجاحاً في التزام الإخوان بالأمور التالية:
1 – التعهد بعدم تغيير خارطة المنطقة سياسياً.
2 – التعهد بالحفاظ على كل المعاهدات والاتفاقيات (كامب ديفيد).
3 – تقبل وجود إسرائيل بالمنطقة.
4 – تعهدهم بالحفاط على النظام الحاكم (نظام حسني
مبارك)، وعدم خلخلته، دستورياً أو شعبياً، وتدعيم الحوار مع الحزب الوطني،
والتنسيق معه في القضايا الكلية، ولا مانع من الاختلاف في الفرعيات.
5 – أن يقوم الأميركان بدعم الديموقراطية في المنطقة.
كان مناخ الحوار بين الإخوان والأميركان يتجه نحو
مساعدة الإخوان للوصول إلى الحُكم عبر الانتخابات، باعتبار أنهم التنظيم
السياسي الأكبر الذي يملك تأييداً شعبياً واسعاً وانضباطاً حزبياً منظماً.
ومن جانبهم، برر الإخوان هذا الموقف بأنهم يملكون
فكراً، ولكن هذا الفكر يظل نظرياً، ولكي يصبح واقعاً، فلا بد أن تسانده
قوة، وأفتوا بأنه يجوز الاستعانة بـ«كافر»، في سبيل الوصول إلى الحق.
لقاء القاهرة
في أبريل 2007، جرى لقاء بين زعيم الأغلبية في مجلس
النواب الأميركي ستيني هوير بالإخوان المسلمين في القاهرة، وكان اللقاء
الأول مع محمد سعد الكتاتني، بصفته زعيم كتلة نواب الإخوان في البرلمان
المصري، بعد حصولهم على 80 مقعداً في انتخابات 2005، ثم تبع ذلك مقابلة
أخرى في منزل السفير الأميركي في مصر فرانسيس ريتشاردون، ولما أثارت هذه
المقابلة تساؤلات وانتقادات في الكونغرس الأميركي، صرَّح مسؤول في سفارة
أميركا بالقاهرة بأن مقابلة السيد هوير مع الكتاتني لا تعبّر عن تغيير في
السياسة الأميركية تجاه جماعة الإخوان، وأن اللقاء تم بصفتهم أعضاء في
البرلمان المصري، وهو أمر لا يتعارض مع سياسة الحكومة الأميركية.
عهد أوباما
بعد نجاح الرئيس أوباما عام 2008، بدأ مد حبال العلاقات
الودية مع العالم الإسلامي، وتمثل ذلك في خطابه بالقاهرة، ومد يد الصداقة
للبلدان الإسلامية، وانعكس ذلك في تطوير علاقة الإدارة الأميركية مع
الجمعية الإسلامية في أميركا الشمالية، وهي امتداد لنشاط مسجد ميونخ في
ألمانيا، الذي أنشئ في الخمسينات، وازدهر نشاط الجمعية بتعدد فروعها. ومن
مظاهر تطوير العلاقة، دعوة رئيسها إلى حفل تنصيب الرئيس أوباما عام 2007،
وإرسال مندوب مهم من البيت الأبيض لحضور مؤتمر الجمعية عام 2009.
وفي فبراير 2011، قدّم السيد جيمس كلابر شهادة أمام
لجنة المخابرات في الكونغرس، أشاد فيها بموقف جماعة الإخوان المسلمين
المعتدل، الذي يدين العنف ويستنكر أعمال القاعدة. ولما ثارت ردود أفعال
سلبية تجاه هذا التصريح، تولت السيدة هيلاري كلينتون إعطاء مزيد من
التوضيح، قائلة إن إدارة الرئيس أوباما استمرت في اتصالات مع جماعة الإخوان
المسلمين التي كانت موجودة من قبل لأكثر من خمس سنوات، وأنه من مصلحة
الولايات المتحدة أن تكون لها علاقات مع كل القوى السياسية التي تلتزم
العمل السلمي وتنبذ العنف، وأشارت كلينتون إلى البحث الذي نشرته مجلة
الشؤون الخارجية الفصلية.
وكانت هذه المجلة نشرت بحثاً ضمنته نتيجة اتصالات قامت
بها مع جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في البلاد العربية وفي أميركا
والولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا.
واستنتجت من هذا البحث أن جماعة الإخوان المسلمين هي
أكبر جماعة إسلامية وأوسعها انتشاراً وأقواها تأثيراً، وأنها منظمة تميل
إلى الاعتدال، وعنونت البحث المنشور في عدد مارس/ أبريل 2007، بــ «الإخوان
المسلمون المعتدلون».
بناء على ذلك، يمكن الاستنتاج أن هذا المشوار الطويل
من العلاقات أدَّى إلى تبلور موقف السياسة الأميركية في المراهنة على
الإخوان المسلمين، كقوة سياسية لها انتشار واسع في البلاد العربية
والإسلامية، وعلى مستوى العالم، وأن التحالف معها قد يكون الطريق الأسلم،
لمواجهة المنظمات الإسلامية التي تتبنى العنف وسيلة للتغيير.
لذلك، كان موقف الإعلام الأميركي بعد تسلم مرسي الرئاسة
هو الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة محمد حسين طنطاوي،
بضرورة الاستعجال في تسليم السلطة للرئيس المدني المنتخب ديموقراطياً.
عبدالله النيباري