( خاطرةٌ أدبيةٌ / خماسية ؛ للكاتب الروسي
الكبير: إيفان تورجنيف : 1818 – 1883 )
ترجمها عن الأصل سنة 1976 ، ونقّحها الآن : حميد
خنجي
###########
في مكانٍ ما .. في وقتٍ ما ، من الزمنِ الغابر ، ترنّمتُ
بقصيدةٍ معبِّرة .. وبعد بُرهةٍ نسيتُها … غير أن مطلعها ظلّ عالقاً في
الذاكرة : كم جميلة وذات عبير وشذى كانت
الأزهار..!
***********************
والآنْ ؛ الوقتُ شتاءٌ ، حيثُ ينقشُ الصّقيعُ
خطوطاً مشوّشةً زهريّة على زجاجِ النوافذ ، وشمعةٌ يتيمةٌ تضيء الحجرةَ المظلمة
. وأنا جالسٌ أسترجع الأيامَ الخوالى من سنواتِ
الصّبا .. وفي الذاكرة كل شيء يرنُّ : …
كم جميلة وذات
عبير وشذى كانت الأزهار ..!
××××××××××××××××××
تذكرتُ نفسي أمام النافذةِ الواطئةِ تلك ، في
بيتٍ قابعٍ في إحدى ضواحي مدينةٍ روسيةٍ قديمة.. حيث المساءُ الصيفيّ يهبطُ بهدوءٍ
وسكينة ، وينقلبُ إلى ليلٍ داجٍ . وفي
الفضاءِ الدّاكنِ ينسابُ عبيرُ الخُزامِ والزيزفون . ومن النافذةِ المقابلةِ تطلُّ
فتاةٌ في عمرِ الربيع .. تنظرُ إلى السماءِ بنظرةٍ متأملةٍ صامتة ، وكأنها تنتظرُ
بزوغَ النجومِ الأولى ! … كم كانت عيناها حالمتين وبسيطتين في آن ، تذكرني بهيئةِ
وجهٍ شرقيٍّ أصيل !.. كم هي بعيدة عني ، وموغلةٌ في الزمنِ السرمديّ ؛ يا لِلَهفي
: …
كم جميلة وذات
عبير وشذى كانت الأزهار..!
÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷
و في الحجرةِ يهبطُ الظلامُ رويداً رويداً ..
ويصفعُ الصقيعُ الجدران .. ونماذجُ بشريةٍ
مختلفةٍ تتجسّدُ أمامي ؛ يتهادى إلى مسمعي
ضجيجٌ عائليّ ممتع ، لحياةٍ ريفيةٍ بسيطة . ورأسان أشقران يطلان عليّ بخفّةٍ .. وبعيونٍ
طلسميةٍ وخدودٍ قُرمزيةٍ .. ترفرفان بضحكاتٍ مكتومة. وفي المدى – قبّالي ؛ تتغنى أصوات شابةٍ عذبة.. وخلف المشهد
؛ أيادٌ تلعبُ على مفاتيحِ “بيانو” قديمة . وألحانُ “الفالس” لاتتمكن من إخمادِ
همهَمةِ السّماور : …
كم جميلة وذات
عبير وشذى كانت الأزهار..!
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الشمعةُ تتلاشى .. تتآكل .. وتنطفئ . ذاب الشمعُ وتلاصقت مادتُه كعجينةٍ بائتة. يرتجفُ
الّلهبُ الخافتُ ، وتنقذفُ قطرات من الشمعِ المذابِ عند أقدام رفيقي الوحيدِ .. الباقي
؛ الكلب العجوز ! أشعرُ ببرودةٍ وقشعريرةٍ
في بدني … لقد اخطفتْ أيدي الرّدى كلَّ
خلاّني ، واحداً أثر آخر : …
كم جميلَة وذات
عبير وشذى كانت الأزهار..!