حين
رأيت صورتهُ على شاشات الفضائيات بعد لحظات من إعلان إغتياله تذكرتُ وجهه
جيداً، ومرَّ في ذهني شريطاَ عن وقائع لقائي به في أواخر نوفمبر/ تشرين
الثاني الماضي، في إجتماع للناشطين العرب في حركة السلم والتضامن عُقد في
مدينة مراكش بالمغرب حيث كان محمد البراهمي القائد الوطني التونسي في عداد
وفد بلاده لذلك الاجتماع.
ورغم أننا تبادلنا البطاقات التعريفية
لكلينا، لكني لم أحفظ إسمه، على جري ما يحدث معنا في مثل هذه الفعاليات
التي تعج بالمشاركين، فلا تسعفنا الذاكرة في حفظ أسماء جميع من نلتقيهم
فيها، لكني تذكرت أننا جلسنا معاً نتبادل الحديث لبعض الوقت ونحن ننتظر
دورنا لإجراء حديث مع مندوبة إحدى الصحف المغربية، وتذكرتُ أكثر أننا كنا
ضمن لجنة الصياغة التي اختارها المجتمعون لوضع مسودة البيان الختامي
للإجتماع المذكور وتوصياته.
الاجتماع، كما ذكرت، كان للناشطين في حركة
التضامن بين الشعوب الآسيوية الافريقية التي نشأت في زمنٍ قريب من ذاك الذي
تأسست فيه حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، كان العالم آنذاك غير
العالم اليوم: حركة التحرر الوطني والقومي من الاستعمار والهيمنة الأجنبية
كانت موجة عارمة تجتاح بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكانت شعوب
هذه البلدان بحاجة للتآزر والتضامن في ما بينها.
لم يعد العالم كما
كان، ولم يعد عالمنا العربي بالذات كذلك، ليس بالقياس لما كان عليه يومها،
وإنما أيضاً بالقياس لما كان عليه قبل عامين، حيث عصفت به ولا تزال موجة من
التغييرات مازالت في حالٍ من السيولة بحيث يصعب تحديد وجهتها النهائية.
والمجتمعون جاءوا ليبحثوا في أمر هذه المتغيرات، وفي جعبتهم الكثير من
الأسئلة والقليل من الأجوبة وهم يجتهدون لبلورة رؤية حول الدور المستقبلي
للحركة.
قال الحاضرون أشياء بعضها متشابه، وبعضها ينطوي على شيء من
الاختلاف، ولكنهم أجمعوا أن ثمة حاجة لخطاب جديد يلائم وضعاً مستجداً غير
مسبوق، ومن النقاش تبين أن ما كان يُعد بديهياً لم يعد كذلك، وأن ثمة أشياء
كنا نظن أن الزمن حسمها إيجابياً، فإذا به، ماكراً، يعيدنا إلى نقطة
البدء.
بدا لي الرجل هادئاً في حديثه وفي مداخلاته، وهو يتحدث عن
المعضلات الجديدة الماثلة أمام الحركة الوطنية والديمقراطية في تونس بعد
ثورة الياسمين، وبعد صعود الاسلام السياسي ممثلاً في حركة النهضة إلى
السلطة، وعن تعقيدات الوضع في بلدان المغرب العربي وفي العالم العربي عامة.
يومها
كتبت هنا أنه ليس عبثاً أن البيان الختامي توقف طويلاً أمام السجال حول
هوية الدولة الوطنية العربية، أتكون مدنية أو دينية، ليعيد تعريف المُعرف،
ربما لأن الدولة ذاتها كبنية راسخة تواجه خطر التفكيك، فثمةَ من يريد أن
تُحكم القاهرة أو تونس أو سواهما، لا بمنهاج الدولة، وإنما بطريقة الإمارة
«الإسلامية» في قندهار.
هاهي تونس الخضراء تقف مذهولة أمام إثم الآتين
من الماضي المحمولين على موجة التطرف الديني الذين ضرجوا محمد البراهمي
الوطني، رجل الحوار والتقدم، بدمائه، بذات السلاح وذات الأيدي التي استهدفت
منذ شهور ستة فقط رفيقه شكري بلعيد.