رغم حالة اليأس من تحسن الأوضاع التي تسيطر على الجميع، ورغم ما نراه من
تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار العنف والعنف المضاد، وتشظّي المجتمع
طائفياً، إلا أن الأمل لا يزال قائماً في أن تتخذ الدولة خطوات جادة لإعادة
الأوضاع لطبيعتها.
إن مجرد دعوة السلطة للحوار والحديث بين الحين
والآخر عن حلول ومبادرات، كما أن الحديث عن التطور من خلال مراحل معينة
وتدريجياً، ناهيك عن تصريحات القوى السياسية الموالية بأنها تتفق مع
الجمعيات السياسية المعارضة في 80 في المئة من المطالب، هو في نهاية الأمر
اعترافٌ مبطّن، بأن هناك مطالب مشروعة يجب الاستجابة لها، وأن الأوضاع في
البلد لن تتحسن إلا من خلال الاتفاق بين مكونات المجتمع على ماهية
الإصلاحات ونوعيتها، خصوصاً أن ما يطالب به الناس ليس من المستحيل أو الصعب
تحقيقه، ولا يصل إلى نصف ما كانت تطالب به الشعوب الأخرى في دول الربيع
العربي.
وقوف السلطة موقف المتفرج في هذه الأوقات العصيبة وتغليبها
للحل الأمني، وعدم طرحها لمبادرات جدية واللعب بورقة الجمعيات السياسية
الموالية، لن يخدم البحرين ولن يخرجها من المأزق المتفاقم يوماً بعد يوم،
فكلما مرّ الوقت أصبحت الأوضاع أكثر تعقيداً وأعصى على الحل.
ما عاد
خفياً تطوّر أعمال العنف والعنف المضاد يوماً بعد آخر، مع مؤشرات على
احتمال دخول مرحلة جديدة من الحراك الشعبي، ورغم تأكيد الجمعيات السياسية
المعارضة إدانتها للعنف، وعدم تبنيها لأسلوب الحراك العنيف، إلا أن الشارع
على ما يبدو، بدأ يخرج عن سيطرة أحد، ما يؤكد أن موضوع تشديد العقوبات الذي
يريد مجلس النواب من خلال جلسته الاستثنائية المقبلة، لن تثني الناس عن
المطالبة بحقوقها، كما أنها لن توقف العنف ولا العنف المضاد.
لقد كان
من الأجدى أن يطلب مجلس النواب عقد هذا الاجتماع الاستثنائي لمناقشة
الأوضاع الحالية لإيجاد حلول واقعية وعملية تبعد البلد من الانزلاق في طرق
العنف الذي لا تُعرف نهايته، وقبل أن نصل إلى مرحلة اللاعودة، ويترك أمر
العقوبات وتشديدها للقضاء.
يجب الاعتراف بأن الخروج من هذه الأزمة لا
يمكن إلا من خلال مبادرةٍ شجاعةٍ كما حدث في أحداث التسعينيات، والتي كانت
أشد وطأةً من حيث تغليب الحل الأمني حيث سجن الآلاف وشرد المئات في
المنافي، ولم يخرج البلد من تلك الحالة إلا من خلال المشروع الإصلاحي
لجلالة الملك، فإن الأمل لا يزال باقياً في أن تسود لغة العقل والمحبة، بدل
لغة العنف والقتل.