الأنظمة السياسية في العالم إما أن تكون دكتاتورية أو أنها ذات طابع ديمقراطي دستوري… ولن أتطرق للأنظمة الدكتاتورية لأن مستقبلها أسود كأفعال رموزها؛ ومصيرها آيل للسقوط على أيدي شعوبها… فالحديث هنا عن الأنظمة ذات الطابع الديمقراطي الدستوري والتي تنقسم إلى أنظمة أقرب لأن تكون مكتملة الديمقراطية وأنظمة شبه ديمقراطية، ففي ظل الأنظمة الأقرب لأن تكون مكتملة الديمقراطية (والتي تكون إما رئاسية كأميركا، أو برلمانية كبريطانيا، أو تجمع بين الإثنين معاً كفرنسا) تكاد آليات الإصلاح والتغيير أن تنحصر في تشكيل رأي عام حول القضايا التي تهم المجتمع لينعكس ذلك على تشكيلة البرلمان من خلال انتخابات حرة ونزيهة، بينما في ظل الأنظمة شبه الديمقراطية فقد تكون آليات الإصلاح والتغيير من خلال الانتخابات والبرلمان في حال قابلية هذه الأنظمة لتطوير نفسها باتجاه استكمال الديمقراطية في ظل توازنات القوى المؤثرة في الساحة السياسية وقد تكون كذلك من خلال الشارع والنضال الجماهيري إذا كانت توازنات القوى السياسية معرقلة للتطور الديمقراطي.
في الكويت نظامنا السياسي نظام شبه ديمقراطي يتأرجح النظام الدستوري فيه بين النظامين الرئاسي والبرلماني، فلا هو حَسَم الاتجاه نحو أحدهما ولا هو جمع بينهما كما في بعض الدول الأقرب لأن تكون مكتملة الديمقراطية، وفي ظل وجود أسرة لها إمارة الدولة بشكل وراثي فإن خط تطورنا الديمقراطي الطبيعي من المفترض أن يسير باتجاه النظام البرلماني في ظل الإمارة الدستورية، وعندما وضع (دستور الحد الأدنى) كنتيجة طبيعية لنضالات شعبنا التي قادتها قوى وطنية مستنيرة وظروف محلية وإقليمية ودولية كان من الطبيعي استخدامه من قبل هذه القوى الوطنية كخط بداية لمسيرة الإصلاح والتغيير، وظلت هذه القوى الوطنية تناضل في ظل الهامش الديمقراطي المتاح والمحدود على أمل تطوير الدستور ليتطور معه نظامنا ديمقراطياً، إلا أن هذه النضالات اصطدمت بعبث السلطة بهذا الدستور من خلال تزوير انتخابات عام ١٩٦٧، والإنقلاب الأول على الدستور في عام ١٩٧٦، وتقسيم الدوائر تقسيماً فئوياً وطائفياً وقبلياً ومناطقياً في عام ١٩٨٠، والإنقلاب الثاني على الدستور في عام ١٩٨٦ وابتداع ما يسمى بالمجلس الوطني في عام ١٩٩٠، وكذلك من خلال الفساد والإفساد السياسي (مادياً ومعنوياً) واعتماد الواسطة والمحسوبية ودوس السلطة على القوانين ضاربة بعرض الحائط مباديء سيادة القانون والعدالة الاجتماعية، فبدأت تتشكل شيئاً فشيئاً القناعة بعدم جدوى الإصلاح والتغيير من خلال هذا الوضع الدستوري المشوّه والاستسلام لقواعد وشروط السلطة لتحقيق الإصلاح والتغيير المنشودين.
وفي السنوات الأربع الأخيرة اتجه الحراك الشعبي للنضال من خلال الشارع ونجح في الوصول إلى بعض مطالباته وفشل في الوصول إلى أخرى، في ظل قناعة تتزايد يوماً بعد يوم وسنة تلو أخرى بأن العمل من خلال الوضع الدستوري المشوّه ليس إلا مجاراةً لعبث السلطة إن لم يكن مشاركة لها فيه… وبعد حكم المحكمة الدستورية الأخير ارتفعت الأصوات مناديةً بمقاطعة (مسرحية الانتخابات والبرلمان) لأنها ليست إلا تعطيلاً للتطور الديمقراطي الحقيقي والمستحق.
ولئن كانت السلطة دائماً ما تحمّل نواب الأمة المعارضين أسباب عرقلة تنمية البلد وتطوره واتجاه الأوضاع إلى انهيار مؤسسات الدولة، فإنه في ظل كل هذه المعطيات بات مستحقاً ترك السلطة (تشبع) بمقاعد البرلمان حتى يصفو لها الجو لتحقيق التنمية والتطوير، فالمؤزمون الآن خارج البرلمان ولا عذر (نظري) للسلطة إن لم تنم البلد وتطوّره، وهذا الخيار (أتوقع) سيكون المسمار الأخير في نعش عبث السلطة لأن الناس وخصوصاً المشاركين منهم في الانتخابات القادمة ستتعرى أمامهم السلطة وتنكشف ليروا بأم أعينهم مكمن الخلل ومصدر الأزمات وسيصلون حتماً إلى القناعة التي وصلنا لها منذ سنوات والتي تحمّل السلطة كل ما نحن فيه من تراجع وتدهور وفساد وسوء إدارة، فاتركوا السلطة تنفرد في إحكام قبضتها على المؤسسة البرلمانية لتروا كيف ستتصاعد موجة الرفض الشعبي لكل ما يحدث ولتشهدوا نزول فئات شعبية أخرى إلى الشارع لم تشارك أصلاً في الحراك الشعبي الحالي… بعد أن يزول الوهم وتتضح حقيقة الأمر.
——-
*عضو التيار التقدمي الكويتي.