انطلق الرهان على الجيل العربي الشاب كرافعة للتغيير المنشود من الميزات المتاحة لهذا الجيل بفضل القفزة الهائلة في وسائل الاتصال وانسيابية المعلومات، بالمقارنة بما كانت عليه حال الأجيال السابقة .
وعبر مدونات الشباب ومواقعهم الحوارية غدت الإنترنت وسيلة لتشكيل رأيٍ عام حول القضايا الساخنة في المجتمع، لا مجرد شاشة لتبادل الخواطر الوجدانية التي يُنفس من خلالها الشباب عما يتعرضون له من كبت مُحبط . تلك المدونات تُظهر الأشكال الجديدة للتعبير للشبان والشابات، وتُرينا أن الحياة تدب في مسارات أخرى غير مألوفة وغير مطروقة بالنسبة لأبناء الأجيال الأكبر .
وإذا ما أخذنا في الحسبان حقيقة أن التركيبة السكانية في بلداننا هي في أغلبها تركيبة شابة، من حيث غلبة الشبان على سواهم ممن هم في المراحل العمرية الأخرى، وبسبب التطورات المذهلة في المعارف والعلوم وتأثيرات وسائل الإعلام والاتصال، وجدنا الشباب هم من أطلق موجة التغييرات العاصفة في العالم العربي، ورأينا أن الاحتفاء بهذه التغييرات مال إلى تمجيد الشباب، بوصفهم القوة المحركة الرئيسة للأحداث لحظة اندلاعها .
لكن ما إن انجلت العاصفة التي أسقطت أنظمة وبدّلت زعماء بآخرين، حتى اتضح أن ثمرة التغييرات قطفها الكبار من القوى السياسية الأفضل تنظيماً وجاهزية التي تملك من وسائل التأثير والتجيير ما لا تملكه الحركات الشبابية الغضة التي تحلّقت حول مواقع “فيس بوك” و”تويتر” وسواهما، تُرسل منها رسائل الاحتجاج والغضب، بأسماء معروفة حيناً، وأسماء مُستعارة مبهمة في أغلب الأحيان، وحين جرت إعادة ترتيب وتأثيث المشهد السياسي، اكتشف هؤلاء الشبان أن لا مكان فعلياً لهم في هذا الترتيب، فبدوا كما كانوا قبل التغييرات مجرد قوة افتراضية .
“فيس بوك” و”تويتر” وسواهما من وسائل الاتصال الجماهيرية واسعة الانتشار لا يمكن أن تخلق ثورة لم تنضج ظروفها الاجتماعية بعد، ولا يتوافر لها ميزان قوى مجتمعي قادر على إنجاحها، كما أن دعوات التغيير ووسائله لا تنبت، ولم تنبت في صحراء جرداء، وإنما في مجتمعات تملك تقاليد سياسية ونضالية، منها انطلق أبناء اليوم وعليها بنوا .
ويبدو باعثاً على الخيبة أن الشباب ممن كانوا وقود التغيير، وحتى قادته، باتوا ضحاياه عندما آل الأمر إلى قوى لا تمتلك لا رؤية ولا برنامجاً للتنمية التي تستوعب طاقاتهم، وتحقق لهم الأهداف التي من أجلها ثاروا .