من المحير تماماً كيف وقفت الشعوب العربية مناصرة لأشقائها في جميع دول
الربيع العربي من تونس إلى ليبيا ومن ثم اليمن ومصر، ولكن عندما تعلق الأمر
بالبحرين وقفت ذات الشعوب العربية في موقف المتفرج رغم أن مطالب
البحرينيين لم ترق إلى عشر ما طالب به المعتصمون في ميدان القصبة في تونس،
أو ميدان التحرير في مصر، أو ساحة التغيير في اليمن. ثم كيف تغيّر الأمر
تماماً مع الثورة في سورية ليشارك عشرات الآلاف من المتطوعين العرب في
العمليات العسكرية الدائرة هناك بدعوى الجهاد، كما حدث في أفغانستان ضد ما
سمي بالاحتلال السوفياتي لأفغانستان في الثمانينات.
على الرغم من
العديد من المتناقضات في كل حالة على حدة، والظروف الذاتية والموضوعية في
كل دولة، إلا أن هناك عوامل مشتركة، وقوى عالمية وإقليمية ساهمت بشكل أساسي
في اتخاذ الشعوب العربية مثل هذه المواقف. هذه القوى استخدمت في سبيل ذلك
أهم العناصر من دعم مادي ومعنوي وتحشيد إعلامي، والأهم من كل ذلك العامل
الديني والمذهبي، لتحقيق أمور سياسية هي أبعد ما تكون عن الدين.
في
التاريخ المعاصر ومنذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لم يتخذ الخلاف
المذهبي هذه الحدة، إلا في حالة الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني
سنوات وحصدت الملايين من الأرواح في حرب عبثية بين دولتين جارتين كان من
الممكن أن تتخذ كل منهما أسلوباً آخر في التعاطي مع المشكلات القائمة
آنذاك، لتوفر المزيد من الديمقراطية والرفاهية لشعوبهما بدل أن تقذف بهما
في أتون حرب ضروس ذهب ضحيتها ملايين الأبرياء.
في ذلك الوقت لم تعرف
القوى التي دفعت باتجاه إشعال الحرب بهدف الوقوف ضد امتداد الثورة لباقي
الدول المجاورة أو ما سمته بتصدير الثورة، الخطأ الجسيم الذي ارتكبته إلا
بعد غزو صدام حسين للكويت.
وفي تجربة مماثلة تورطت هذه القوى الدولية
والإقليمية نفسها في الحرب الأفغانية السوفياتية ودعمت بكل قواها ما سمي
بالمجاهدين الأفغان، والأفغان العرب، وسهلت لمواطنيها الاشتراك في حرب ليس
لهم فيها ناقة ولا جمل، بما ساهم بشكل كبير في تكوين تنظيم «القاعدة»
بزعامة أسامة بن لادن، لينقلب السحر على الساحر وليكون «القاعدة» من ألد
أعداء من ساهم في تكوينه.
ما يحصل الآن من دعم ومد بالسلاح والعتاد
لقوى تكفيرية، وما يقدّم من ملايين الدولارات لنصرة المجاهدين في سورية،
وما يصدر من فتاوى دينية لمحاولة تحويل الصراع السياسي إلى صراع مذهبي،
وإجبار الناس على تصديق أن إيران هي العدو الأول للدول العربية والإسلامية
بدلاً من «إسرائيل»، ووضع حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، والترويج
إلى أن من يتبع المذهب الشيعي من الكفرة، بعد أكثر من 1300 عام من ظهور
هذا المذهب كبقية المذاهب الإسلامية الأخرى، وظهور فتاوى من علماء يصوّرون
أن المعركة الكبرى هي مع من يتبعون هذا المذهب، ما هو إلا فتنة كبرى سيدفع
ثمنها من يصدّقها، في حين أن من يروّج لها سيبقى بعيداً عن كل ذلك هانئاً
في قصوره يعد من يسقط قتيلاً من الطرفين… ومن الممكن أن يترحم على من
دفعهم للموت.