المنشور

وفد المعارضة في بلد مانديلا

حسناً فعلت الجمعيات الوطنية المعارضة بتعميم خبر عن زيارة وفدها إلى جنوب إفريقيا، لتضع الجميع، مؤيدين ومعارضين، في الصورة.

الوفد
التقى في اليوم الأول رئيسة قسم الديمقراطية والحكم في المجلس البحثي
للعلوم الإنسانية جوديث فبرواري، التي استعرضت ملامح العملية الانتقالية في
جنوب إفريقيا منذ الثمانينات حتى اليوم، والصعوبات التي واجهتها مفاوضات
التسوية، ومطالبات التحرر من سياسات الفصل العنصري والجهود الجماعية لتأسيس
مجتمع مدني ديمقراطي، وسبل تفادي الدخول في حرب أهلية طاحنة وانهيار
البلاد اقتصادياً.

الزيارة كان مرتباً لها قبل أشهر، بترتيبات
بانورامية بريطانية كما يبدو، وكانت المرحلة الأولى تقتضي زيارة وفدٍ من
الموالاة لجنوب إفريقيا، لأن إقناع الموالاة بضرورة التحول الديمقراطي
واحترام حقوق البشر والقبول بالآخر كمواطن له نفس الحقوق والواجبات، دون
تفرقة ولا تمييز ولا إقصاء، هو أصعب من إقناع المعارضة التي تطالب أصلاً
بكل ذلك ومنذ سنوات طوال.

وفد الموالاة زار جنوب إفريقيا (في
فبراير/ شباط الماضي) بتكتم شديد، وهو ما دعانا إلى مداعبتهم حينها بنشر
مقال تخيّلي لملء النقص الشديد في المعلومات. وحين حوّله أحد الأصدقاء
المشتَرَكين إلى أحد أعضاء الوفد، نفى نفياً قاطعاً صحة ما أوردناه،
فأجبته: «لماذا لم يصارحوا الرأي العام بالزيارة بدل التعتيم عليها؟ ثم
إنها لكارثةٌ أن لا يميّز عضوٌ في وفد رسمي بين المقال الجاد والساخر»!

اليوم
جمعيات المعارضة تصرّفت بشفافيةٍ مع الجمهور، وقبل أن يستقل علي سلمان
الطائرة، أرسل تغريدة على «تويتر» الأربعاء الماضي يقول فيها إنه مغادر إلى
جنوب إفريقيا «للاطلاع على تجربة المصالحة الوطنية والتحول من نظام عنصري
إلى نظام ديمقراطي». وظلّ يكتب بعض التغريدات عن ملامح تلك التجربة
الإنسانية الرائعة، التي أخرجت شعب جنوب إفريقيا من نظام التفرقة والفصل
العنصري إلى رحاب العدل والديمقراطية والمساواة.

وفد المعارضة التقى
عضو البرلمان والمفاوض باسم الحزب الوطني الإفريقي الحاكم في الشئون
الدستورية محمد بهابها، الذي استعرض أهم المحطات التاريخية في مسيرة جنوب
إفريقيا نحو التحرّر من الاستعباد وسياسات الفصل العنصري، وكيفية تغلبهم
على المعوقات التي اعترضت طريقهم نحو تحقيق العدالة الانتقالية وإشاعة
ثقافة حقوق الإنسان، مقابل ثقافة عنصرية قامت على الاستعلاء والغلبة والقوة
والقهر.

جنوب إفريقيا قدمت تجربةً مهمةً للعالم للخروج من دولة
العنصر الأبيض المسيطر إلى دولة المواطنة للجميع. نظامٌ كانت جميع أجهزة
الدولة مسخّرةً لترسيخ الفصل بين مكوّنات المجتمع، حتى المؤسسات التشريعية
كانت تصدر القوانين التي تعزز العنصرية ضد السود والملونين والآسيويين. أما
القضاء الخاضع لفئة واحدة (البيض) فكان مسيّساً تماماً، ويحكم بما يمليه
عليه نظام الابارتهايد، وهو ما أفرز حركة نضالية واسعة، شاركت فيها كل
العناصر المتضررة، بالإضافة إلى من يحملون بين جوانحهم ضمائر حية من البيض،
ممن يرفضون ظلم الإنسان.

هؤلاء المناضلون كان من بينهم أفارقة
وآسيويون وأوروبيون، هندوساً ومسيحيين ومسلمين ولا دينيين، وكان يجمعهم حلم
البشرية بالحرية والمساواة، وكانت الصحافة العنصرية تشوههم وتشن ضدهم
حملات الكراهية، وكانت تعتبر نيلسون مانديلا كبير الإرهابيين. وكان لهذه
الصحافة العنصرية جمهورٌ يتمتع بوعي سياسي متدنٍ يفرض عليه الانغلاق بعيداً
عن التيار الأممي الإنساني الطامح للحرية. وقد أصبحت هذه الصحافة العنصرية
بكتّابها وكاتاباتها ومنظّريها الذين كانوا يملأون الدنيا صراخاً، جزءاً
من الماضي المظلم القبيح.

فلنتواضع قليلاً… ولنأخد العبرة من نيلسون مانديلا، فالعاقل من استفاد من تجارب الآخرين.