لفتت انتباهي نكتة صديقي التي قالها في لقائنا السابق وكتبتها في مقال
الأسبوع الماضي والتي تدل على اختزال التوجه اليساري التقدمي بتجارب
تاريخية معينة، وتدل كذلك على ربط هذا التوجه بالطغيان والدكتاتورية والقمع
والسجون ، فقررت أن أتحدث معه وأناقشه عن هذه الرؤية من خلال قراءة
موضوعية لتاريخ بعض الحركات أو الأحزاب أو الدول ذات الخط اليساري التقدمي.
الأسبوع الماضي والتي تدل على اختزال التوجه اليساري التقدمي بتجارب
تاريخية معينة، وتدل كذلك على ربط هذا التوجه بالطغيان والدكتاتورية والقمع
والسجون ، فقررت أن أتحدث معه وأناقشه عن هذه الرؤية من خلال قراءة
موضوعية لتاريخ بعض الحركات أو الأحزاب أو الدول ذات الخط اليساري التقدمي.
من خلال حواري معه لاحظت بأنه يتبنى النظرة التي أرادت الإمبريالية
الأميركية (بغض النظر عن كون الإدارة جمهورية أو ديمقراطية) أن ينظرها
الناس للخط اليساري التقدمي من غير تعمّد منه لأنني أعرف الكثير عن جوانب
حياته وبالتالي أعرف مدى عدم حرصه على تبني الأفكار أو الرؤى الصادرة من
هذه الإدارة أو من الشركات الكبرى التي تدعمها ، فكانت مهمتي تتلخص في شرح
الهدف المركزي لليساريين والتقدميين، وكيفية الوصول إليه وبالتالي تحليل
التجارب التي سعت وتسعى إليه.
الأميركية (بغض النظر عن كون الإدارة جمهورية أو ديمقراطية) أن ينظرها
الناس للخط اليساري التقدمي من غير تعمّد منه لأنني أعرف الكثير عن جوانب
حياته وبالتالي أعرف مدى عدم حرصه على تبني الأفكار أو الرؤى الصادرة من
هذه الإدارة أو من الشركات الكبرى التي تدعمها ، فكانت مهمتي تتلخص في شرح
الهدف المركزي لليساريين والتقدميين، وكيفية الوصول إليه وبالتالي تحليل
التجارب التي سعت وتسعى إليه.
في بداية حواري معه شدّدت على أهمية معرفة هدف اليسار والتقدميين
والذي يتركز في الوصول إلى العدالة الاجتماعية الكاملة وذلك عن طريق تخفيف
وتضييق الفوارق الطبقية وصولاً إلى إنهائها تماماً في ظل ملكية اجتماعية
لوسائل الانتاج الرئيسية، ومن هذا الهدف نستطيع وضع مشاريع مختلف القوى
اليسارية والتقدمية بمختلف أطيافها على هذا الطريق وتصنيفها إلى مشاريع
تطالب بالحد الأدنى من العدالة الاجتماعية ومشاريع تطالب بالعدالة الكاملة
والإلغاء الفوري للفروقات الطبقية وكذلك مشاريع تتدرّج بين هذين المشروعين،
واختلاف المشاريع وتدرّجها يعتمد على الظروف الزمانية والمكانية وكذلك
الذاتية، بينما القوى الرأسمالية تسعى إلى اكتناز الأرباح واحتكار إمتلاك
وسائل الإنتاج لصالح طبقة معينة غير عابئة بمبدأ العدالة الاجتماعية،
والأنظمة السياسية والاقتصادية في العالم تتطور وتتغير إما لصالح العدالة
الاجتماعية أو ضدها وذلك بدرجات متفاوتة، بمعنى أن الأنظمة التي تبنت
الاشتراكية والأنظمة الرأسمالية لم تطبق الاشتراكية أو الرأسمالية إلا
جزئياً والصراع الطبقي في المجتمع يسحب الدولة إما باتجاه الاشتراكية
الكاملة أو الرأسمالية.. بتعبير آخر: هناك صراع دائم بين من يسعون إلى
العدالة الاجتماعية وبين من لا يهتمون بها (أو ربما يحاربونها) ولا يهتمون
إلا بمصالح الطبقة البرجوازية.
والذي يتركز في الوصول إلى العدالة الاجتماعية الكاملة وذلك عن طريق تخفيف
وتضييق الفوارق الطبقية وصولاً إلى إنهائها تماماً في ظل ملكية اجتماعية
لوسائل الانتاج الرئيسية، ومن هذا الهدف نستطيع وضع مشاريع مختلف القوى
اليسارية والتقدمية بمختلف أطيافها على هذا الطريق وتصنيفها إلى مشاريع
تطالب بالحد الأدنى من العدالة الاجتماعية ومشاريع تطالب بالعدالة الكاملة
والإلغاء الفوري للفروقات الطبقية وكذلك مشاريع تتدرّج بين هذين المشروعين،
واختلاف المشاريع وتدرّجها يعتمد على الظروف الزمانية والمكانية وكذلك
الذاتية، بينما القوى الرأسمالية تسعى إلى اكتناز الأرباح واحتكار إمتلاك
وسائل الإنتاج لصالح طبقة معينة غير عابئة بمبدأ العدالة الاجتماعية،
والأنظمة السياسية والاقتصادية في العالم تتطور وتتغير إما لصالح العدالة
الاجتماعية أو ضدها وذلك بدرجات متفاوتة، بمعنى أن الأنظمة التي تبنت
الاشتراكية والأنظمة الرأسمالية لم تطبق الاشتراكية أو الرأسمالية إلا
جزئياً والصراع الطبقي في المجتمع يسحب الدولة إما باتجاه الاشتراكية
الكاملة أو الرأسمالية.. بتعبير آخر: هناك صراع دائم بين من يسعون إلى
العدالة الاجتماعية وبين من لا يهتمون بها (أو ربما يحاربونها) ولا يهتمون
إلا بمصالح الطبقة البرجوازية.
وتحديد نجاح أو فشل أي تجربة سياسية أو اقتصادية يعتبر شيئاً نسبياً
خصوصاً مع اختلاف المنطلقات في تحديد مقاييس النجاح، فالرأسماليون عموماً
يعتبرون الربح هدفهم الأول وهو مقياس النجاح، بينما اليساريون التقدميون
يعتبرون درجة العدالة الاجتماعية التي يصل لها المجتمع هي المقياس في ذلك،
من وجهة نظر اليساريين التقدميين أن النظام الرأسمالي نظام استغلال طبقي
ظالم حيث يرزح ملايين البشر تحت نير الفقر والمرض والاستغلال التي تتسبب به
نفس الشركات الكبرى التي تدعي الفضل في وجود التطور التكنولوجي، فقاطعني
صديقي قائلاً: وماذا عن الطغيان والقتل والذي ساد في ظل الأنظمة التي تقول
أنت عنها بأنها تسعى للعدالة الاجتماعية؟ فكان ردي هو أنه من ضمن الحجج
التي يسوّقها الرأسماليون على فشل الأنظمة التي تدعو للعدالة الاجتماعية
(كبعض الأنظمة الاشتراكية والشيوعية) هي دكتاتورية هذه الأنظمة والحروب
التي خاضتها وتسببت من خلالها في الدمار والخراب كما يقولون، يجب أن نضع
بعين الاعتبار أن الدكتاتورية لم تكن حكراً على أنظمة تبنت الخط اليساري أو
الاشتراكي خصوصاً؟ فمرورٌ سريع على تواريخ كل الدول كفيل بتبيين
الدكتاتورية والطغيان في أجزاء منه، وأن معظم تلك البلدان لم تكن قبل ذلك
بلداناً ديمقراطية، ناهيك عن أنه إذا دققنا في تاريخ الأنظمة التي تبنت
الرأسمالية واتخذت من الليبرالية (سواء الكلاسيكية أو الاجتماعية) خطاً لها
مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها فسنجد كذلك الطغيان واجتياح الدول
واستعمارها واستغلال شعوبها، فلا أحد يستطيع إنكار المجازر التي حدثت في
الجزائر وأفريقيا عموماً وفي ڤيتنام والتمييز العنصري ضد السود والتطهير
العرقي ضد الهنود الحمر في أميركا، بل لقد بلغت وقاحة أنصار الرأسمالية
العالمية -عموماً- والأميركية -خصوصاً- أنهم يعتبرون قتلى الاتحاد
السوڤييتي في الحرب العالمية الثانية ضحايا لجرائم ستالين بينما تمر عليهم
حادثتي إلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي من قبل أميركا برئاسة
ترومان مرور الكرام، هذا إن لم يعتبرونهما جزءاً من الرسالة الإنسانية
لأميركا!! ومن غير الإنصاف التركيز على الجوانب السلبية في بعض التجارب
الاشتراكية في العالم وغض الطرف على تطور الخدمات الصحية والتعليم وضمان
السكن والعيشة الكريمة فيها! لقد مرت كل الأنظمة (الاشتراكية والرأسمالية)
بمراحل طغت بها الدكتاتورية ولكن الثقافة الديمقراطية تطورت والأنظمة كذلك
تطورت، اليوم الأحزاب اليسارية والتقدمية والاشتراكية والشيوعية تربط بين
هدف العدالة الاجتماعية وهدف الديمقراطية، وهي تعتبر جزءاً مهماً من الحياة
الديمقراطية في أغلب الدول وتخوض الانتخابات إما منفردة أو متحالفة ورأينا
تنامي أوزانها الانتخابية وتمثيلها النيابي في الكثير من الدول
(الديمقراطية) مثل فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص وڤنزويلا والأرجنتين
وغيرها.
خصوصاً مع اختلاف المنطلقات في تحديد مقاييس النجاح، فالرأسماليون عموماً
يعتبرون الربح هدفهم الأول وهو مقياس النجاح، بينما اليساريون التقدميون
يعتبرون درجة العدالة الاجتماعية التي يصل لها المجتمع هي المقياس في ذلك،
من وجهة نظر اليساريين التقدميين أن النظام الرأسمالي نظام استغلال طبقي
ظالم حيث يرزح ملايين البشر تحت نير الفقر والمرض والاستغلال التي تتسبب به
نفس الشركات الكبرى التي تدعي الفضل في وجود التطور التكنولوجي، فقاطعني
صديقي قائلاً: وماذا عن الطغيان والقتل والذي ساد في ظل الأنظمة التي تقول
أنت عنها بأنها تسعى للعدالة الاجتماعية؟ فكان ردي هو أنه من ضمن الحجج
التي يسوّقها الرأسماليون على فشل الأنظمة التي تدعو للعدالة الاجتماعية
(كبعض الأنظمة الاشتراكية والشيوعية) هي دكتاتورية هذه الأنظمة والحروب
التي خاضتها وتسببت من خلالها في الدمار والخراب كما يقولون، يجب أن نضع
بعين الاعتبار أن الدكتاتورية لم تكن حكراً على أنظمة تبنت الخط اليساري أو
الاشتراكي خصوصاً؟ فمرورٌ سريع على تواريخ كل الدول كفيل بتبيين
الدكتاتورية والطغيان في أجزاء منه، وأن معظم تلك البلدان لم تكن قبل ذلك
بلداناً ديمقراطية، ناهيك عن أنه إذا دققنا في تاريخ الأنظمة التي تبنت
الرأسمالية واتخذت من الليبرالية (سواء الكلاسيكية أو الاجتماعية) خطاً لها
مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها فسنجد كذلك الطغيان واجتياح الدول
واستعمارها واستغلال شعوبها، فلا أحد يستطيع إنكار المجازر التي حدثت في
الجزائر وأفريقيا عموماً وفي ڤيتنام والتمييز العنصري ضد السود والتطهير
العرقي ضد الهنود الحمر في أميركا، بل لقد بلغت وقاحة أنصار الرأسمالية
العالمية -عموماً- والأميركية -خصوصاً- أنهم يعتبرون قتلى الاتحاد
السوڤييتي في الحرب العالمية الثانية ضحايا لجرائم ستالين بينما تمر عليهم
حادثتي إلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي من قبل أميركا برئاسة
ترومان مرور الكرام، هذا إن لم يعتبرونهما جزءاً من الرسالة الإنسانية
لأميركا!! ومن غير الإنصاف التركيز على الجوانب السلبية في بعض التجارب
الاشتراكية في العالم وغض الطرف على تطور الخدمات الصحية والتعليم وضمان
السكن والعيشة الكريمة فيها! لقد مرت كل الأنظمة (الاشتراكية والرأسمالية)
بمراحل طغت بها الدكتاتورية ولكن الثقافة الديمقراطية تطورت والأنظمة كذلك
تطورت، اليوم الأحزاب اليسارية والتقدمية والاشتراكية والشيوعية تربط بين
هدف العدالة الاجتماعية وهدف الديمقراطية، وهي تعتبر جزءاً مهماً من الحياة
الديمقراطية في أغلب الدول وتخوض الانتخابات إما منفردة أو متحالفة ورأينا
تنامي أوزانها الانتخابية وتمثيلها النيابي في الكثير من الدول
(الديمقراطية) مثل فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص وڤنزويلا والأرجنتين
وغيرها.
قبل نهاية حديثي معه سألته سؤالاً: هل تعرف من هي أكثر القوى التي
وجهت نقدها لتجربة الاتحاد السوڤيتي؟ فأجابني بسرعة: أكيد القوى الليبرالية
والرأسمالية، قلت له: لا، بل القوى اليسارية والتقدمية والاشتراكية
والشيوعية في العالم هي من قدّم نقداً موضوعياً لهذه التجربة وشرحها وكان
من أبرز الانتقادات: ضعف البنيان الاقتصادي في بداية الثورة البلشفية وضعف
الديمقراطية وسيادة البيروقراطية والقفز على المراحل التاريخية والانجرار
وراء سباق التسلح الذي قادته لصراع الإمبريالية الأميركية.
وجهت نقدها لتجربة الاتحاد السوڤيتي؟ فأجابني بسرعة: أكيد القوى الليبرالية
والرأسمالية، قلت له: لا، بل القوى اليسارية والتقدمية والاشتراكية
والشيوعية في العالم هي من قدّم نقداً موضوعياً لهذه التجربة وشرحها وكان
من أبرز الانتقادات: ضعف البنيان الاقتصادي في بداية الثورة البلشفية وضعف
الديمقراطية وسيادة البيروقراطية والقفز على المراحل التاريخية والانجرار
وراء سباق التسلح الذي قادته لصراع الإمبريالية الأميركية.
عموماً اليسار والتقدمية في العالم لا يجوز نسبهما إلى تجربة معينة في
زمان ومكان معين وإلا لنسبنا (كل) التجارب الليبرالية إلى قنابل ترومان
ومجازر فرنسا في الجزائر مثلاً.
زمان ومكان معين وإلا لنسبنا (كل) التجارب الليبرالية إلى قنابل ترومان
ومجازر فرنسا في الجزائر مثلاً.
د.فواز فرحان
عضو في التيار التقدمي الكويتي