هكذا يمر اليوم العالمي للتمريض على البحرين، ومازال ممرضونا مغيبين في
غياهب السجون. في مثل هذا اليوم الذي يصادف 12 مايو/ ايار تم الحكم على حسن
معتوق بالسجن ثلاث سنوات بجرمين: أولهما كونه أحد الكوادر الطبية الذي عمل
في قسم الطوارئ بمركز السلمانية الطبي، وثانيهما هوايته للتصوير. ممرض نشط
في مساعدة الجرحى ومصور عدسته دارت في الأزمة في وقت كانت كل العيون
كاميرات، حاله في ذلك حال زميلي أمين سر جمعية التمريض البحرينية الممرض
الدولي إبراهيم الدمستاني الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لكون ضميره
نابضاً، فسعى لإسعاف الجرحى وتأهب بكامل جهوزيته لهم، وأراد أن يرى العالم
ما جرى لأهل البحرين ولولده الشهيد علي.
ممرضونا قدّموا الكثير من
العمل المضني خلال أزمة 2011 مع زملائهم الأطباء، مثل علي العكري المحكوم
بخمس سنوات، والصيدلاني أحمد المشتت المحكوم بسنتين، والذي سنفرح ونحتفل
بخروجه يوم 17 مايو الجاري.
في هذا اليوم نستذكر ممرضي وممرضات
الطوارئ والقلب والولادة والعناية القصوى، وما وقع عليهم من ظلم، فتم فصلهم
وإهانتهم، وبعد إرجاعهم لأعمالهم، نقلوا إلى وظائف مختلفة عن تخصصاتهم بل
ومتدنية، وهو ما يدل على الخذلان الكبير من أصحاب القرار بـ «الصحة» الذين
عمّقوا الجراح بدلاً من توفير الأمان الوظيفي لممرضي البحرين. فهل يعقل أن
يُهان هذا الممرض الذي تعب على بناء نفسه في دراسته وتخصصه، فيُنقل إلى
مكان غير تخصصه واستبداله بشخص غير ملم وغير كفوء في أماكن حساسة تحتاج إلى
تخصص ومهارة وخبرة مثل الطوارئ والقلب والعمليات الجراحية؟ ألهكذا مستويات
تسلم أرواح الناس؟
رغم قسوة السجن لمجموعة من ممرضي وممرضات ومساعدي
تمريض، إلا أنهم لم يبكِهم التعذيب الذي لاقوه ولا التحقيق الذي تعرضوا
له، ولم تؤلمهم الألفاظ القبيحة التي صدرت من معذبيهم، بقدر ما آلمهم تصرف
زملائهم الذين وشوا بهم وهللوا وزغردوا عندما تم القبض عليهم من مكان العمل
وأمام أعينهم.
حتى طلبة التمريض وطلبة الكليات الأخرى الذين تم جرهم
من مقاعد الدارسة بسبب وشاية زملائهم منزوعي الضمير والإنسانية. لقد تم
جرّهم إلى الكابينات المتواجدة في حرم الكلية والمستشفى لتعذيبهم وضربهم
وشتمهم وشتم معتقداتهم من غير أي ذنب اقترفوه سوى مطالبتهم بحياة كريمة
عادلة لهم ولأولادهم وللجيل القادم من البحرينيين.
سقطت المواثيق
وأهين القسم الطبي حيث لم يقف لا أستاذ ولا عميد في وجه الظلم الذي حاق
بزملائهم من الكادر الطبي، فما جدوى شهاداتكم ومواثيقكم التي لم تنحز
للإنسانية. كيف تعرف التمريض في نظر الناس والعرف الطبي أليس صفة إنسانية؟
أليس دوره في هذا الظرف العصيب؟ ما ذنب طلبة التمريض الذين تم سجنهم
واعتقالهم لأشهرٍ، ومنعهم من إكمال دراستهم لحين آخر، وبعد تخرج بعضهم يتم
الاتفاق على عدم توظيفهم في أيّ مستشفى!
إحدى الشخصيات التمريضية
تتبجح بالقول: «لن نتمكن من تشغيلكم لعدم خبرتكم في مجال التمريض»، وهي
تعلم أنهم ممرضو وخريجو الكلية نفسها التي تخرج منها هذا الطالب المنبوذ من
الوظيفة بل على العكس من ذلك، إنهم خريجو بكالوريوس تمريض، وقد تخرّجوا
أولاً بدبلوم وبعدها بسنوات التحقوا ببرنامج البكالوريوس!
كم هو أمر
محزن أن نرى ممرّضين يظلمون زملاءهم لأسباب شخصية وكيدية من أجل الوصول إلى
رتب عليا، وليس عن جدارة وكفاءة! أونسيتم هكذا وبسهولة ميثاق أخلاقيات
المهنة؟ أم ترونها مجرد مادةٍ تُدرّس فقط لا غير؟
أود أن أذكر بمن
كانوا وكيف وصلوا لأعلى الرتب، إن ذلك ليس نتيجة تعب وجدارة، بل عن جدارة
في التطبيل المستمر لفلان وعلان! مهنة التمريض يا سادة تتبرأ من كل طبّال
في هذه المهنة الشريفة! مهنة التمريض هي مهنة الضمير الحيّ النابض وخير
مثال هنا هما حسن معتوق وإبراهيم الدمستاني.
لدينا الآن ما يقارب
الـ500 ممرض وممرضة عاطلين عن العمل نظراً للكراهية والطائفية المغروسة في
قلوبٍ لم تعرف المصداقية يوماً ما. إن هؤلاء عارٌ على مهنة التمريض الذي
سيسمح لجيل التمريض القادم أن يضيع في الشارع، في حين أن هناك شحّاً في
الممرضين! ولن يعي هؤلاء لما يجري الآن إلا بعد أن يهرم أحدهم ويرى تدني
الرعاية الصحية له، يرى نفسه مقعداً محتاجاً إلى رعاية من هذا الجيل
المظلوم في بلده.
لم تعد تملكني الشجاعة ولا القلب أن أقف ثانيةً على
منصة ساحة الحرية في المقشع للاحتفال بيوم التمريض العالمي إلا بوجود
المعتوق والدمستاني والعكري، جنباً إلى جنب. أذكر هؤلاء بالذات، هذه
الشخصيات بالذات لما لاقوه من ظلم جارٍ عليهم منذ العام 2011.
لن
ننسى زملاءنا من الكوادر الطبية في هذا اليوم الذين اعتقلوا من غير ذنب،
كحليمة الصباغ، مساعد طبيب أسنان، والسيدسعيد العلوي مساعد ممرض، وشريفة
سلمان مساعد تنظيف، جميعهم يعملون في وزارة الصحة! العار لكل من وشى بكم
وتلوّث بظلمكم، وثقوا أن الحرية لكم أيها الشرفاء وسنكون حتماً بانتظاركم.
الحرية لممرضي البحرين ولكل أرض ذاقت مرارة الحرب وسياسة الكراهية.