في عام 1804 قال نابليون لأحد أقرب المقربين إليه: “إن السلطة هي خليلتي أو رفيقتي، لقد بذلتُ جهوداً فائقة في هذه الفتوحات تجعلني لا أسمح لأحد أن يأخذها مني أو يبعدها عني أو حتى يرنو إليها أو يشتهيها” . يُنسب إليه أيضاً قوله: “إني أحب السلطة كما يحب الموسيقي كمانه” . وقال أيضاً: “إنني لا أعيش إلا للأجيال القادمة” .
لقد استحوذت عليه فكرة المجد، ولكي يظهر قوته وقسوته وصلابته قال: “أنا لا أحب أحداً، إنني حتى لا أحب أخوتي . أعلم جيداً أنه لا أصدقاء حقيقيين لي، فطالما أني مستمر على ما أنا عليه، فإنه يمكنني أن أحتفظ بعدد كبير من الأصدقاء الظاهريين كما أشتهي . دع رقة الشعور للنساء فتلك مهمتهن، لكن الرجال يجب أن يكونوا رابطي الجأش ذوي أهداف محددة، وإلا تخلوا عن أهدافهم في الحرب والحكم” .
هذه مؤشرات وأقوال قد تسعف الدارس لنفسية وسلوك الديكتاتور، أي ديكتاتور في العالم، لأن نابليون على خلاف الكثير من الطغاة، كان صريحاً وصادقاً وهو يشرح ما يؤمن به أو يحسه ويقدم توصيفاً لشخصيته .
يقول المؤرخون إنه أرهق نفسه كما أرهق غيره، فقد كانت طاقته أقوى من بدنه . فملأ في عشرين سنة أحداثاً تكفي لقرن، لأنه كان يكثف عمل الأسبوع ليجعله في يوم واحد، كان يأتي إلى مكتبه في نحو السابعة صباحاً ويتوقع أن يكون سكرتيره مستعداً للحضور في أي وقت . كان يعطي الأوامر:”كن هنا في الساعة الواحدة ليلاً، أو في الرابعة صباحاً” .
يوصف بأنه حاد الحواس إلى الدرجة التي كان يعاني فيها من هذه الحدة . كانت له أذنان تلتقطان كل شاردة وواردة، وكانت حاسة الشم عنده مرهفة، وله نظرة حادة تخترق ما هو ظاهر من الأشياء . وإلى ذلك كان مسكوناً بالفضول والدقة: يحب الاستطلاع ويوجه الأسئلة الدقيقة، وقرأ مئات الكتب ودرس التواريخ والخرائط، وقد انعكس ذلك على حكمه للأشخاص، فلم تكن المظاهر والمجاملات تخدعه: “شخصية المرء لا تظهر على وجهه إلا إذا صار كبير السن”، هكذا كان يقول، واعتمد ذلك قاعدة في تعامله مع محيطه .
أحد خصومه قال عنه: “ليس هناك أبداً عقل مثل عقله من حيث التنظيم والانضباط”، أما غوته فقد ذهب إلى الحد الذي لا يخطر على البال حين قال: “إن عقل نابليون هو أعظم عقل أنجبته البشرية”.