قال الشاعر أحمد مطر:
جسَّ الطبيب خافقي
وقال لي: هل ها هنا الألم؟
قلت له: نعم
فشقَّ بالمشرط جيبَ معطفي
وأخرج القلم!
هزّ الطبيب رأسه… ومال وابتسم
وقال لي: ليس سوى قلم
فقلت: لا يا سيّدي
هذا يدٌ… وفم
رصاصة… ودم
وتهمة سافِرة… تمشي بلا قدَم!
أهنّئ جميع الصحافيين الشرفاء في الجسم الصحافي على العطاء غير المحدود، وعلى تحمّلهم الأوجاع وبلعهم السم والضيم، من أجل مناشدة الحرّية والديمقراطية، فإنّي أتذكّر دائماً خطورة القلم عندما تصيبني المطبّات ويُضيَّق عليّ الخناق، ومن خلال هذه الكلمات العظيمة لشاعر الأحرار أحمد مطر ارتأيت مشاركتكم في قلمي!
«ما تستحي تكتب في هذي الجريدة»، «انصكّت جريدتك وخلعوها»، «أنت خاين دامك تكتب في هذي الجريدة»، «وينك وين الكتابة»، «جوف الصحفيين الشرفاء اللي ضد الصفويين الروافض»، وكلمات بذيئة كنّت أسمعها إبان الأحداث هنا وهناك، فمنهم من أغلق بابه وشخصن الكتابة بعلاقتي معه، ومنهم من ظنّ فيّ ظنّ السوء والكره لوطني، ومنهم من لا يتكلّم وترك نظراته تعبّر عمّا بداخله.
وكنت حين أرى النظرات وأسمع الكلمات وأقرأ الحروف، أصمت وأبتسم، لعلمي أنّ خطورة قلمي أقوى من تلك الكلمات الصغيرة، ولعلمي أنّ صحيفةً يقرأها القاصي والداني، والمحب والكاره، تمثّل الجميع، وتتكلّم عن معاناة الجميع، ولذلك يُحاربها البعض، وهو مازال يقرأها.
ما أجملك يا قلم، وما أحلى الكلمات التي تضعها في ورقة بيضاء، فأحياناً ترفع من مقام وزير شريف، وأحياناً تُسقط وزيراً متورطاً في قضايا فساد.
وفي أحيان أخرى تحرّض لمصلحة النّاس، وفي كل الأحيان تنشر المحبّة، وما تقدّمه هو بضع كلمات يخشى منها الناس، ويتنرفزون ويصرخون.
إلا أنّك تقول الحقيقة يا قلم عندما تهز المشاعر، وتُبكي الرجال الأشاوس، فكلماتك تخترق الجسد وتدخل الفؤاد فتخاطب الروح، وتتكلّم عن الفقر والفساد والمفسدين وعن فئة المتمصلحين والحاقدين والكارهين وما أكثرهم في بلادي، فكيف لا أحبّك يا قلمي؟ في يوم من الأيام… فكّرت أن أكتب شعراً لا يهدر وقت الرقباء لا يتعب قلب الخلفاء لا تخشى من أن تنشره كل وكالات الأنباء ويكون بلا أدنى خوف في حوزة كلّ القراء هيّأت لذلك أقلامي ووضعت الأوراق أمامي وحشدت جميع الآراء ثم… بكلّ رباطة جأش أودعت الصفحة إمضائي وتركت الصفحة بيضاء!
راجعت النصّ بإمعان
فبدت لي عدّة أخطاء
فقمت بحك بياض الصفحة
واستغنيت عن الإمضاء!
ولكن في الكلمات التي أتراقص بها وجدتُ جنوداً لا خوف عليهم، وأسلحةً تمتلك كلّ القوة، فهي أسلحة نفّاثة تدخل القلوب قبل العقول، أسلحة قد يقرأها القارئ ويغيّر مسلكه، وقد لا تعجبه ولكنّها حتماً أثّرت فيه، بدليل المواجهات اللفظية والكتابية التي أتلقّاها ويتلقّاها بعض الصحافيين الشرفاء!
إنها الكتابة الصحافية التي أتكلّم عنها، تلك التي فهمتموها، وكسبتُ قرّائي بسببها، وهي التي أودتني إلى التحقيق والفصل والسجن و «ضياع الأوراق»، وإلى المحاكم الجنائية الكبرى، وإلى المنظّمات العالمية، لأنّ كلمة الحق تضرب وتجلجل دائماً.
يهابني الوزراء ويخضع لي الوجهاء، ويصوّر معي المعجبون، ويغتابني الكارهون والحاقدون، ولكنّهم في النهاية، يسقطون أو يرتفعون أمام قلمي وكلماتي، فهل أصبتُ بطن الحقيقة يا شعب؟
التوقيع: صحافي شريف!