ولدي الصغير عندما تكبر، وتصبح شاباً وتحقق أمنية عمري، ستعرف لماذا أموت… ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أننى برئ… وأموت من أجل قضية شريفة، ولهذا لا أخاف الموت، وعندما تكبر ستفخر بأبيك، وتحكى قصته لأصدقائك».
كانت تلك هي رسالة «أوجست سبايز» أحد العمال المحكوم عليهم بالإعدام لابنه الصغير «جيم»، وكان له ما أراد بعد أحد عشر عاماً من إعدامه، حيث نشر جيم رسالة والده وافتخر بإنجازه وتاريخه.
بداية الحدث كانت في شيكاغو من العام 1886 حيث نظم العمال إضراباً في الأول من مايو، يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً، واستمر هذا الإضراب حتى الرابع من الشهر نفسه، حيث عُقِدَ اجتماع بالعمال المضربين وبحضور عمدة المنطقة، وبعد انتهائه تدخلت قوات الشرطة لفض الاعتصام بالقوة، فانفجرت قنبلة اتهم العمال بتفجيرها، فألقي القبض على زعماء الحركة، وخرجت الصحف في اليوم التالي وهي تتهم العمال بالفوضى والعنف. وحوكم العمال محاكمة غير عادلة انتهت بالحكم على سبعة منهم بالإعدام، نُفِّذَ الحكم في أربعة منهم، بينما خفف حكم البقية للسجن المؤبد.
بعد أحد عشر عاماً من هذه الحادثة اعترف مدير السجن وهو على فراش الموت بأن أفراد الشرطة هم من فجّروا القنبلة، فهز هذا الاعتراف العالم كله، وطالب العمال والمجتمع الدولي بإعادة المحاكمة لإثبات براءة العمال الذي أُعدِموا ظلماً، وكان لهم ما أرادوه.
كانت هذه الحكاية هي الشرارة التي أدت إلى اعتبار الأول من مايو يوماً عالمياً للعمال، تحتفل به دول العالم بالانجازات العمالية، وفاءً واعتزازاً بالحركة العمالية، ويعتبر يوم عطلة رسمية في كثير من الدول العربية والأجنبية.
البحرين واحدة من الدول التي تحتفل بهذا اليوم، كيف لا وهي التي تمتلك تاريخاً عمالياً نضالياً مهماً؟ لكن يوم العمال مرّ على القرى البحرينية والعمال في العام الماضي بشكل مأساوي؛ إذ أغرقت المناطق بالغازات بعد أن ألغى الإتحاد العام لنقابات عمال البحرين احتفاليته السنوية بالمناسبة، وتبنت الجمعيات السياسية هذا الاحتفال، فأعلنت عن مسيرة جماهيرية عرفاناً بدور العمال في البحرين، وتضامناً مع المفصولين منذ مارس/آذار 2011، فغرقت أحياء العاصمة المنامة بالغازات. وبينما تناقلت وكالات الأنباء خبر هذه المسيرات والعنف الرسمي الذي قوبلت به وانتشرت صور كثيرة تبين حجم هذا الغرق في ضباب الغازات، إلا أن وزارة الداخلية أصدرت بياناً مفاده أن مجموعة من المخربين خرجوا في مسيرات غير مرخصة تعاملت معهم قوات الأمن بالشكل القانوني.
وعلى الرغم من أن يوم العمال يعتبر عطلة رسمية، وغالباً ما يحاول البحرينيون استغلالها كغيرها من العطل لأخذ أطفالهم في جولات ترفيهية، إلا أن الظرف السائد حينها كان محاولة تأمين مكان آمن لا تصل إليه يد الغازات لهؤلاء الأطفال الذين كانوا يبحثون عن لعبة تنسيهم هموم الدراسة.
اليوم يمر عيد العمال باحتفاليات للاتحادات والنقابات، كل في احتفال منفصل، وفي حين أن الدول تحاول جاهدةً توحيد حركاتها العمالية، نجد أننا في البحرين نوغل في تفكيك هذه الكيانات خصوصاً بعد أحداث العامين الأخيرين، واستحداث اتحاد آخر غير الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وتكوين نقابات أخرى في الشركات الكبرى غير الموجودة؛ لتتفكك الحركة العمالية بحسب المصالح الشخصية تارةً، والرسمية تارة أخرى، لتركب الحركة العمالية البحرينية موجة التفكك التي تعم الدول العربية.
سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية
02 مايو 2013م