مهما توالى نفي استخدام عناصر الأمن أسلوب التعذيب أثناء التحقيق مع المتهمين لانتزاع اعترافات معينة منهم، فإن ذلك لا يعني أن آلة التعذيب قد توقفت تماماً، حتى مع الإعلان عن وضع كاميرات للمراقبة في غرف التحقيق في مراكز الشرطة.
فأساليب التعذيب «كتعصيب العينين، وتكبيل اليدين، والإجبار على الوقوف لفترات طويلة، والضرب المبرّح، واللكم، والضرب بخراطيم مطاطية وأسلاك كهربائية على القدمين، والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهرباء، والحرمان من النوم، والتعريض لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية، والتهديد بالاغتصاب، وإهانة الطائفة الدينية للموقوفين» كما وصفها رئيس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق البروفيسور محمود شريف بسيوني خلال تقديمه لتقرير اللجنة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2011 لم تتوقف، وهي مازالت مستمرة حتى اليوم.
ولذلك يمكن تفسير موقف الحكومة من تأجيل زيارة مقرّر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب خوان منديز التي كان من المفترض أن يقوم بها في الفترة من 8-15 مايو/ أيار المقبل لأجل غير مسمى.
منديز نفى في تصريحات له أن يكون هو من طلب التأجيل كما أشارت بعض المصادر الرسمية لدينا، وأكد أن هذا قرار أحادي الجانب من جانب السلطات، وقال: «للأسف هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الحكومة التهرّب من المسئولية عن تأجيل زيارتي، التي كان من المفترض أن تجرى في بادئ الأمر قبل أكثر من عام».
مقرّر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب والذي يمتلك صلاحيات استثنائية في تخطي جميع الإجراءات في التحقيق الكامل لعدم وجود تعذيب، كما له متابعة قضايا التعذيب حتى لـ 30 سنة سابقة وله الحق بتلقي الشكاوى والقيام بالزيارات الميدانية لتقديم تقريره لمجلس حقوق الإنسان، لا يحتاج لكل هذه المدة – أي العودة لـ 30 سنة للوراء- وإنما يمكنه البدء من حيث انتهى تقرير بسيوني، ليتأكد أن آلة التعذيب في مختلف مراكز الشرطة في البحرين لا تزال تعمل بكامل طاقتها، وأن ما اتخذته وزارة الداخلية من إجراءات للمحافظة على حقوق الإنسان أثناء عملية التحقيق لم تكن بالجدية المطلوبة لوقف ولو جزء بسيط مما يتعرّض له المتهمون، خصوصاً في القضايا السياسية.
قبل أسبوع واحد فقط تم القبض على أحد الأصدقاء، عندما ذهب للإبلاغ عن حادث مرور بسيط، ودون إبراز أمر القبض من النيابة العامة.
الصديق الذي تم احتجازه لمدة 48 ساعة قبل عرضه على النيابة العامة قضى 7 ساعات، منذ الثانية ظهراً وحتى التاسعة مساءً، تحت التعذيب، حيث قُيّدت يداه بالقيد الحديد (الأفكري) وعصبت عيناه، وأجبر على الوقوف طوال هذه المدة، وتعرّض للضرب، والشتم، والتهديد بالقتل من قبل المحققين، قبل أن يتم إعلامه بالتهمة الموجّهة إليه.
جميع هذه الأمور تم توثيقها لدى وحدة التحقيق الخاصة بشكاوى التعذيب التابعة للنيابة العامة.
هذه حالة واحدة من مئات الحالات التي تحدث يومياً، ما يؤكد أن آلة التعذيب لا تزال تعمل ولم تتوقف أو تفكّك بعد.