كلما مر الوقت أصبح الحديث عن الأسباب أقل والحديث عن النتائج أكثر فأكثر، بحيث يصر البعض في الوقت الحالي على إغفال وتجاهل ما أدى إلى تدهور الأوضاع، وبشكل متعمد لكي يصبح الحديث حول ما تشهده الساحة من احتقان أمني، وصراع طائفي.
عندما بدأ الحراك الشعبي في البحرين لم يكن أحدٌ ليتوقع أن يحظى بكل هذا التأييد من مختلف الشرائح والطوائف والفئات في المجتمع، وما كان يمكن لامتداد موجة الربيع العربي أن تفسّر كل هذا الإحباط والتذمر لدى غالبية الشعب البحريني، لو لم تكن هناك أسبابٌ حقيقيةٌ تراكمت على مدى السنوات العشر بعد التوقيع على ميثاق العمل الوطني، الذي استبشر الناس به خيراً.
حالة الإحباط والغضب التي كانت لدى الشارع لم تقتصر على السلطة إنما شملت الجميع، بما في ذلك الجمعيات السياسية المعارضة التي لم تستطع أن تحتوي وتسيطر على حالة التململ وعدم الرضا عن الأوضاع السياسية والمعيشية، والتي تراكمت على مدى السنوات.
بدأ الناس بالتأكد من أن ما حصلوا عليه لا يقاس بما فقدوه وإلى الأبد.
لقد حصل الناس على الحرية، وتم إلغاء قانون «أمن الدولة» الذي جثم على صدر الشعب البحريني لما يقارب الثلاثة عقود، وتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وعودة المنفيين إلى أرض الوطن، وأرجع البرلمان، وأصبح باستطاعة الناس التعبير بحرية عن أفكارهم، وتم السماح بتشكيل الجمعيات السياسية، وكل هذه الأمور دفع الناس ثمنها مقدّماً، سواءً خلال فترة التسعينيات أو قبل ذلك.
كما أن جميع هذه الأمور من طبيعة الأشياء وليس العكس، فمن الطبيعي أن يحظى المواطن، أي مواطن في أية دولة، بالحرية والكرامة، ومن الطبيعي أن لا يكون هناك معتقلون سياسيون كل جرمهم أنهم يطالبون بالديمقراطية والعدل والمساواة. ومن الطبيعي أن يسود العدل، لا أن يُعتقل أي مشتبه به ويرمى في السجن لمدة ثلاث سنوات دون أن توجّه له تهمة، ثم يمدّد له السجن مرةً بعد أخرى لمدة تسع سنوات. ومن الطبيعي أن يوجد برلمان منتخب من قبل الشعب لمراقبة السلطة التنفيذية وسن القوانين والتشريع، وليس من الطبيعي أن لا يتمتع أي مجتمع في القرن الواحد والعشرين بكل ذلك.
وفي المقابل، فإن ما خسره المواطنون لا يمكن استرجاعه، فلقد تم الاستيلاء على جميع الشواطئ في أرخبيل من 33 جزيرة، وأصبح المواطن لا يملك ولو شاطئاً بسيطاً ليستمتع به. كما تم الاستيلاء على 93 في المئة من الأراضي المملوكة للدولة في مقابل وجود 53 ألف عائلة بحرينية تنتظر لأكثر من 15 عاماً، وأحياناً 20 عاماً، منزلاً إسكانياً بسيطاً. كما تم التلاعب بالتركيبة السكانية بهدف خلخلة التركيبة الديمغرافية في البلد وتغليب فئةٍ على أخرى، وأصبحت الحياة المعيشية للغالبية العظمى من الناس تنحدر من سيئ إلى الأسوأ.