ذكرت منظمة العمل الدولية أن تفاقم مشكلة البطالة في العالم العربي كان من بين العوامل التي أشعلت شرارة الثورات الشعبية. وأوضحت المنظمة أن معدل البطالة بين الشباب العرب بلغ أكثر بقليل من 23% العام الماضي. وأضافت أن هذه النسبة ترتفع في أوساط النساء إلى أكثر من 30%، وأن مشاركتهن في سوق العمل العربية هي الأضعف على مستوى العالم. وبأن سوق العمل العربية ضعيفة ولا تحظى إلا بعدد محدود للغاية من فرص التشغيل. ومما يفاقم هذه المشكلة ضعف معدلات النمو الاقتصادي والخلل الذي يعانيه المناخ العام للاستثمار. وأشارت إلى أن ظروف العمل للشباب العرب سيئة للغاية جراء الأجور المتدنية والرعاية الاجتماعية والصحية المحدودة وعقود العمل غير الآمنة. ضمن هذا السياق حذر المعهد العربي للتخطيط من تزايد أعداد العاطلين عن العمل في الدول العربية ليبلغوا 19 مليونا في عام 2020، إذا لم تقم الحكومات بالعمل على رفع مستويات النمو وزيادة المشاريع لتستوعب الزيادة المطردة للأيدي العاملة. تقرير التنمية البشرية الصادر من الأمم المتحدة العام 1994 تضمن تحديد مؤشرات أساسية مثل مستويات دخل الفرد وأنماط نموها، وخيارات العمل والاستخدام والفقر والحماية الاجتماعية. على صعيدي الانكشاف الغذائي، وتفشي الأمراض، وقد كشف التقرير عن مظاهر اتساع رقعة الجوع وسوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي وتحديات الأمن الصحي في جل البلدان العربية.
ذكرت هيلين كلارك المدير العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في مقدمة تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر في عام 2009 بأنه والتقارير السابقة ليست وثائق رسمية صدرت عن الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأن القصد من وراء إصدارها هو الدعوة لإطلاق نقاش دينامي جديد ومعمم يشمل العالم العربي (الحكومات والمجتمع المدني) والمنظمات الدولية والإقليمية..
كما جاء في ختام تصدير أمة العليم السوسوة (يمنية) مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ــ المدير الإقليمي ــ للتقرير، إن التركيز على تحقيق أمن الدولة من دون إيلاء أمن الإنسان الاهتمام المطلوب قد عاد بنتائج أقل من مرضية للدولة وللمواطن على حد سواء، وعلى المدى الطويل إن الحكومة التي تبحث عن ترسيخ أمن الدولة من دون أن تستثمر في أمن الإنسان هي حكومة لا تحقق أيا منهما، إن أمن الإنسان وأمن الدولة وجهان لعملة واحدة..
التقرير الأخير للتنمية الإنسانية العربية حذر من خطورة الضغوط السكانية (الديموغرافية) في البلدان العربية، ووفقا لإحصائيات دولية وإقليمية فإن البلدان العربية ستضم 395 مليون نسمة بحلول العام 2015 (مقارنة بـ 317 مليونا في العام 2007 و150 مليونا في العام 1980) وفي حين كان 38 % من السكان الحضر في العام 1970 ارتفعت هذه النسبة إلى 55 % في العام 2005 وقد تتجاوز 60 % بحلول العام، 2020 كما يتسم الطابع الديموغرافي للسكان بغلبة نسبة الشباب حيث لا يتعدى نحو 60 % من السكان الخامسة والعشرين من العمر، مما يجعل المنطقة العربية في مقدمة بقاع العالم على هذا الصعيد، حيث يبلغ معدل العمر فيها 22 سنة مقابل متوسط عالمي يبلغ 28 سنة. في المقابل تضمن التقرير أن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، مشيرا إلى أن معدلات الفقر العام تراوح ما بين 28 % و30 % في حدها الأدنى في سورية ولبنان ونحو 60 % في حدها الأعلى في اليمن ونحو 41 % في مصر. كما جاء في التقرير أن الجياع في المنطقة العربية يبلغ عددهم خمسة وعشرين مليونا ونصف المليون أي نحو 10 % من إجمالي عدد السكان. المفارقة الدالة التي تطرق إليها تقرير التنمية الإنسانية لدى معاينته لمشكلة الجوع أن ثمة شرائح في البلدان العربية الغنية لا تحصل على ما يكفي من الغذاء من بينها الإمارات العربية المتحدة والكويت والسعودية.
البطالة عدت في التقرير من «المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية» وحسب بيانات منظمة العمل العربية (2008) كان المعدل الإجمالي لنسبة البطالة في البلدان العربية أكثر من 14 % من اليد العاملة (أكثر من 17 مليون عاطل) مقارنة بـ 3.6 على الصعيد العالمي.
هذه المشكلة معرضة للتفاقم على نحو أشد مستقبلا، لأن اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير إلى أن الدول العربية «ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة». نستذكر هنا التقرير الذي حمل عنوان «التشغيل والبطالة في البلدان العربية.. التحدي والمواجهة» وقدمه مدير منظمة العمل العربية أحمد لقمان في الدورة الخامسة والثلاثين لمؤتمر العمل العربي وأشار فيه إلى حجم فرص العمل المطلوب استهدافه من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العقد المقبل، موضحا أن القوى العاملة العربية «تنمو بمعدل يفوق 3 % سنويا أسرع من معدل نمو السكان البالغ 2 % أو معدل نمو السكان في سن العمل 2.8 %، ما يحتم إيجاد 3.9 مليون فرصة عمل جديدة سنويا».
اتساع الفوارق الاجتماعية في العالم العربي
جاء في تقرير للمنظمة العربية للتربية والثقافة أن عدد الأميين العرب بلغ أكثر من 70 مليون (ثلثاهما من النساء) أمي في العام 2005 وبنسبة تتجاوز 35% وهو ما يساوي ضعف معدل الأمية في العالم. مشكلات البطالة والفقر والجوع أصبحت سمة عامة في البلدان العربية قاطبة. ولو أخذنا بلدا نفطيا وغنيا كالسعودية، فإن المعطيات الإحصائية الرسمية المتوفرة تفيد بأن معدل البطالة يصل إلى أكثر من 10% في حين تتجاوز النسبة 26% بين الإناث في حين تقدرها بعض المصادر الاقتصادية غير الرسمية فوق ذلك بكثير . من الدلالات الفاقعة على انسداد أفق التنمية المستدامة في البلدان العربية التدهور والتقلص الحاد لدور ومكانة الطبقة الوسطى التي تمثل دعامة الاستقرار والتوازن الاجتماعي والسياسي في المجتمعات الحديثة حيث جرى تهميشها وإضعافها على جميع المستويات وفي المقابل نشهد تعمق الفوارق الاجتماعية والطبقية في المجتمعات العربية بين الغالبية الساحقة من الناس وغالبيتهم من الشباب الذين يطحنهم الفقر والبطالة والحرمان وبين أقلية متنفذة تمتلك وتحتكر مكامن السلطة والثروة والقوة . وفقا لتقرير أعده أربيان بزنس تضمن قائمة بأغنى 50 عربياً في عام 2010 وقد قدرت ثرواتهم بما يزيد على 245 مليار دولار ، ومن بينهم 32 سعوديا يملكون ثروات تقدر بـ 166 مليار دولار وهو ما يفوق الدخل القومي لعدة بلدان عربية مجتمعة علما ان التقرير لم يشمل أصحاب المليارات الذين يفضلون أن يكونوا في الظل أما بحكم مناصبهم الحساسة أو لشبهة الفساد في مكونات ثرواتهم . الجدير بالذكر إن ثروات الحكام العرب والمقربين منهم لا يدخلون في هذا التقييم ، غير إن ما رشح في ضوء التحركات الثورية الأخيرة يتبين كيف أن العديد من الحكام العرب وعائلاتهم والدائرة الضيقة المحيطة بهم كما هو الحال في مصر وتونس وليبيا وغيرها اكتنزوا ثروات هائلة تقدر بعشرات المليارات من الثروات النقدية والعينية . الإحصاءات و الأرقام والمعطيات المخيفة المنشورة تعكس إلى حد كبير حجم اتساع التمايزات الطبقية / الاجتماعية ، ومدى الواقع المرير الذي تعيشه الغالبية الساحقة من الشعوب العربية ، كما تبين مدى إخفاق غالبية السلطات و النخب العربية الحاكمة في تلبية ابسط شروط احتياجات الإنسان العربي في ضمان أمنه الحياتي والمعيشي ناهيك عن إهدار حريته وكرامته وحقوقه الإنسانية الأخرى . بالطبع لا نستطيع أن نحصر أو نختزل أسباب الثورات العربية في جانب أو بعد واحد فقط هو الجانب الاقتصادي / المعيشي . من الواضح إن هناك سمات عامة مشتركة للبلدان والمجتمعات العربية رغم تباين نظمها الحاكمة ، وفي مستويات تطورها السياسي / الاجتماعي / الثقافي ، و مدى غياب أو الحضور النسبي لمؤسسات المجتمع المدني العابرة للهويات التقليدية الفرعية ، وكذلك التفريق في طريقة و أسلوب تعامل الحكومات العربية مع تلك الأزمات والاحتجاجات كما حصل في تونس ومصر وكما هو الحال في ليبيا وسوريا واليمن وغيرها حيث منسوب القمع المرتفع و حيث الدماء سالت وتسيل بغزارة من جهة , وما هو حاصل في المغرب والأردن حيث يتم التغيير سلميا بوجه عام ومن خلال إصلاح النظام وليس عبر إسقاطه من جهة أخرى. لكن في الحالات العربية المختلفة لا نستطيع تجاهل البعد الاجتماعي / الطبقي الرئيس ، إلى جانب العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية المتردية و المتراكمة على مدى عقود ، والتي كانت بحاجة إلى مجرد شرارة لتقوم بدور المحفز والمفجر للحراك الشعبي و الشبابي العارم وغير المسبوق على امتداد العالم العربي ، والتي يمكن اختزالها في بعدي الخبز والحرية في الآن معا .
نجيب الخنيزي
كاتب وباحث ، وناشط سياسي وحقوقي سعودي
منقزل عن موقع الحوار المتمدن.