تحدّثتْ إليَّ بمرارة عن وضعها المادي والنفسي في فترة توقيفها عن العمل، ولم تكن الوحيدة في أسرتها الموقوفة أو المفصولة فلا فرق بين الحالتين من حيث الضرر الواقع؛ إذ امتد الأمر إلى ابنها وابنتها وزوج ابنتها أيضاً. وهكذا وجد زوجها الذي يتحصل راتباً بالكاد يفي احتياجاته الأساسية نفسه أمام وجه المدفع، فكان عليه هو أن يعيل ثلاث أسر براتب لا يفوق متوسط الرواتب في البحرين بشيء، وذلك لفترة طويلة امتدت لأشهر قبل أن تعود زوجته إلى العمل. وها هي الآن تحاول جاهدة أن تحصل على حقوقها في فترة توقيفها غير القانونية من غير جدوى.
ليست هذه هي الوحيدة التي تحاول الآن استعادة ما لها من حقوق، وليست المؤسسة التي تعمل بها هي الوحيدة التي تماطل في صرف مستحقات فترة التوقيف؛ إذ مازال هناك الكثير ممن يحاولون استعادة ما لهم من حقوق مادية بعد توقيفهم عن العمل منذ مارس/ آذار 2011، بعضهم مازال موقوفاً، في حين عاد بعضهم الآخر إلى عمله بحقوق مسلوبة ولكنه اضطر إلى العودة لعمله على رغم الشروط المجحفة التي وضعت له لعرقلة عودته. عاد مضطراً كي يعيل أسرته التي قد تمتد إلى أكثر من أسرة كما هو وضع صاحبتنا هذه.
نحن بحاجة إلى لجنة حقيقية، ليست كاللجان التي تفرّخها الأنظمة العربية مع كل حدث ومع كل وعد بحل مشكلة أو أزمة، بل تكون لجنة محايدة وتضم أعضاء من منظمات عمالية عالمية لدراسة أوضاع العمال والموظفين ممن تضرروا في تلك الفترة ومازالوا؛ لإعادة حقوق من لهم حقوق ولتعويضهم عن كل الأضرار التي ما زالوا يعانون منها، فكم من مفصول اضطر إلى زيارة المحكمة بسبب رفع دعوى عليه من قبل البنوك التي تزخر ملفاتها بأسماء مفصولين وموقوفين لا يستطيعون دفع أقساط القروض بسبب عدم وجود مصدر دخل يمكنهم من دفعها، وكم من كشف حساب زادت فيه نسبة أرباح البنك على القرض بسبب عدم سداد القسط في وقته المحدد له، وكم من أسرة تراكمت عليها الديون واتسع نطاقها بسبب هذا التوقيف، وكم من معيلين ساءت أوضاعهم النفسية وعاشوا صراعاً واضطراباً وقلقاً حقيقياً بسبب عدم قدرتهم على سداد مصاريف أسرهم وعدم تمكنهم من توفير احتياجاتهم فباتوا لياليهم سهارى والهم يثقل أجفانهم؟
حين يطرح موضوع الحل الجذري لمشكلة المفصولين والموقوفين عن العمل ممن مازالوا يعتصمون حتى هذا الشهر؛ احتجاجاً على استمرار تجاهل قضيتهم، لابد أن تؤخذ كل تلك الأضرار وما لم أذكرها في الاعتبار وعدم الاكتفاء بحقهم في العودة فقط، أو حقهم فيما لم يصرف لهم من رواتب.
وبما أن التصريحات الرسمية تقول إن مشكلة المفصولين قد حلّت تقريباً، ولم يتبقَّ إلا القليل منهم ممن لم يعودوا لأعمالهم حتى الآن، نحن بحاجة لأن نقرأ إحصاءات رسمية مصادق عليها من قبل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، لتلك الأعداد ولمن تم تعويضهم وإعطاؤهم جميع حقوقهم لنعرف العدد الحقيقي للمتبقين ممن لم يحصلوا على تلك الحقوق، ونتمنى ألا يكون عددهم أكبر من أقرانهم ممن حصلوا عليها.