تمثل حرية العمل النقابي المكسب الرئيسي للطبقة العاملة في إطار المجتمع البرجوازي، مكسبا حال تطبيقه دون تدهور العمال إلى مستوى كثلة مذررة من الأفراد العاجزين بوجه القوة الاقتصادية والسياسية الهائلة لأرباب عمل يستفيدون من كل “قوانين السوق”. تم انتزاع هذا المكسب في حقبة كانت ثقة البرجوازية في نفسها، وفي استقرار سلطتها و مستقبل نظامها، كافية لقبول رهان ألا يضع النضال من أجل رفع الأجور موضع تساؤل نظام العمل المأجور، بل على العكس أن يعززه. عكَس صعود الحركة النقابية في كل البلدان الإمبريالية، خلال “العصر الذهبي” للإمبريالية في مرحلة 1890-1914، قدرة البرجوازية الإمبريالية على منح تنازلات حقيقية للطبقة العاملة، لا سيما بفضل تدفق الأرباح الاستعمارية الفائضة المسلوبة من بروليتاري وفقراء فلاحي البلدان المستعمرة وشبه مستعمرة. تغير هذا الوضع التقليدي للعمل النقابي مع بداية عصر انحدار الرأسمالية (اندلاع الحرب العالمية الأولى). أولا كانت أزمة النظام، خلال أطوار مديدة، بلغت حدا تقلصت معه اكثر فاكثر القاعدة المادية لمنح إصلاحات جديدة للعمال. ولم يمكن إنعاش مستديم لتراكم الرأسمال في تلك الأطوار سوى بخفض مستوى عيش الطبقة العاملة، حتى بالبلدان الإمبريالية، وهو ما يفسر الاندفاع صوب أنظمة فاشية أو شبه فاشية مؤدية الى تدمير كلي لحرية العمل النقابي. ثم في لحظات أخرى، تواصل النمو الاقتصادي، وبوثيرة متسارعة أحيانا، لكن ذلك كان مقابل تضخم دائم وتبذير كبير للموارد المادية ( إنتاج الأسلحة!)، واستغلال مفرط للطبقة العاملة( تسريع وتيرات العمل)، ورفض تلبية الحاجات الجديدة التي استثارها تطور قوى الإنتاج نفسه ( نقص تطوير التجهيز الاجتماعي والحاجات الاجتماعية). في تلك الشروط، لا يستقر النظام على توازن متقلب جدا إلا بفضل تدخل متنام للدولة في الاقتصاد الرأسمالي، بمضاعفة آليات ضمان دولاني لأرباح الرأسماليين(الأرباح الاحتكارية الفائضة في المقام الأول). يؤدي هذا، بوجه خاص، إلى ميل نحو التخطيط الاقتصادي على المدى المتوسط داخل التروستات الاحتكارية الكبرى، وإلى ميل نحو البرمجة الاقتصادية على المدى المتوسط داخل الدول البرجوازية، اللتين تفرضان معا إكراهات قاسية على حرية التفاوض حول الأجور. تشتد اكثر هذه الإكراهات بادعاء الحكومات البرجوازية « محاربة التضخم» باعتماد « سياسة دخل» تعني في الحقيقة « لائحة الأجور المعتمدة» الوحيدة والفريدة. أي محاولة منهجية لتقليص حرية العمل النقابي في انتزاع زيادات في الأجور أتاحها ظرف ملائمة نسبيا لبائعي قوة العمل. هكذا أصبحت الحريات النقابية مهددة في ظل شكلي السلطة البرجوازية، الشكل الديكتاتوري والشكل الديموقراطي البرلماني الآفل، حيث يطبع “التناوب” مرحلة انحدار الرأسمالية. وهي مهددة بالزوال التام حين تأخذ الديكتاتورية شكل فاشية أو شبه فاشية. وتكون مقلصة بشكل متفاوت الوضوح حتى عند استمرار قاعدة مادية لبقاء الديموقراطية البرلمانية البرجوازية. يتزايد تنافي بقاء الرأسمالية وبقاء الحرية النقابية. هذه أول خلاصة يتعين صوغها، إنها تطبيق خاص لقاعدة أعم: ان بقاء النظام الرأسمالي، الواقع في أزمة بنيوية شاملة، يهدد، بجلاء متزايد، كل الحريات الديموقراطية الجزئية التي انتزعتها الجماهير في مرحلة صعود هذا النظام وذروته. العمل النقابي الحر هو تنظيم حر بين أجراء أو ذوي الرواتب(بائعي قوة العمل) بقصد التفاوض الجماعي حول ثمن قوة العمل وشروط استهلاكها من طرف الرأسمال. إنه إذن تنظيم للدفاع عن مصالح الأجراء دون غيرهم. ويمكن القول عموما إن الرأسمالية، حتى المزدهرة والقوية، لن تقبل عملا نقابيا حرا من هذا القبيل إلا عندما يكون عمل أقلية أو ضعيفا نسبيا( مثلا عمل نقابي مقتصر على قطاعات العمال الأكثر تأهيلا). عندما يتعلق الأمر، عكس ذلك، بعمل نقابي جماهيري للأكثرية، يستقطب أغلبية قطاعات الطبقة العاملة والأغلبية في كل قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، حيث يوجد العمل المأجور، فإن ظهوره كتنظيم لخدمة أعضائه حصرا يتواجه بشكل متنام مع بقاء الاستغلال الرأسمالي نفسه، أي بقاء النظام الرأسمالي. آنذاك يميل تعارض المصالح، التي لا توفيق بينها، بين الرأسمال(بما في ذلك دولته) والعمل، إلى الظهور يوميا في جميع مناحي الحياة الاجتماعية، لان الطبقة العاملة ستستمد من هكذا نمو لقدرتها المنظمة إحساسا بالثقة المتنامية في نفسها و بقوتها الطبقية. وستضغط حتما بهذا الإحساس على كل علاقات الاستغلال والاضطهاد والتفاوت التي تميز المجتمع البرجوازي في كل مجالاته. هذا ما يجعل تعارض حركة نقابية قوية وأكثروية داخل الطبقة مع بقاء النظام الرأسمالي، حتى في شروط اقتصادية ملائمة نسبيا للبرجوازية، يتجلى في حقبة انحدار الرأسمالية في ميل ثابت لتقليص الديموقراطية النقابية، وتقليص الطابع الحر للعمل النقابي. وليست ممارسة التعاون والتوفيق الطبقيين من طرف البيروقراطيات النقابية مجرد «انحراف أيديولوجي» من جانب إصلاحيين وإصلاحيين جدد، يعكس في آخر التحليل الامتيازات المادية لتلك البيروقراطيات داخل مؤسسات الديموقراطية البرلمانية البرجوازية. إنها شروط لازمة لإبقاء حد أدنى من استقرار المؤسسات البرجوازية واستمرارها. تعمل البيروقراطية النقابية ككابح لنشاط الأجراء والمنظمين بالنقابات، ولحرية العمل النقابي، وذلك عبر ألف شكل من اتفاقيات التوفيق والتعاون الطبقيين: بواسطة خلق أشكال عديدة من لجان « التشاور» الثنائي(أرباب العمل والنقابات) أو الثلاثي(أرباب العمل والنقابة والدولة). ولا يمكن للبيروقراطية أن تفعل ذلك سوى بخنق الديموقراطية النقابية، وبتقييد متزايد الحدة لحق أعضاء النقابات في تقرير حر لموقف النقابة من كل «مستجد» بالوضع الاقتصادي والاجتماعي. يؤدي الدمج المتنامي للبيروقراطيات النقابية في الدولة البرجوازية ،على نحو حتمي، الى تقييد الديموقراطية النقابية وحرية العمل النقابي، ويقوض حتما الحريات النقابية؛ هذه ثاني الخلاصات الواجب صوغها. يستحيل أن تعمل النقابات كأدوات دفاع حازم عن مصالح أعضائها وفي ذات الوقت كمنظمات للتوفيق بين مصالح الرأسمال ومصالح العمال(أو أن تكون أداة إيصال «التحكيم» الذي تقوم به الدولة البرجوازية بين مجموعتي المصالح هاته غير القابلة للتوفيق). ليس بوسعها القيام بالدور الثاني إلا بتشويه الدور الأول والتخلي المتنامي عنه. يستخلص من هذا التحليل بجلاء موقف الثوريين من مستقبل العمل النقابي. فهم يرفضون أطروحة اليسارويين الانهزامية التي مؤداها حتمية تدهور وزوال العمل النقابي المكافح ،وبالتالي الدمج النهائي للنقابات في الدولة البرجوازية. لا يمكن لهذه الميولات، القائمة والتي تظهر بقوة، أن تنتصر إلا إذا عاينت الطبقة العاملة بسلبية مديدة فقدان وسيلة دفاعها الوحيدة عن مصالحها المادية اليومية في مواجهة الرأسمال بطريقة فعالة، أي بطريقة جماهيرية منظمة. دلت التجربة أن لا أساس لهكذا فرضية كارثية حيال طبقتنا. فالواقع المادي والمصلحة الاقتصادية والوعي الدوري بهذه المصلحة أقوى على المدى البعيد من كل مناورات البيروقراطية وقمعها. إن التمرد الدوري والجماهيري للعمال، بمن فيهم المنظمين بالنقابات، ضد التقييد المتصاعد للحريات النقابية وضد محاولات مسخ النقابة وتحويلها من أداة دفاع عن مصالح العمال إلى أداة إيصال السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة البرجوازية، أمر حتمي. وتلك ثالث خلاصات التحليل. يتمثل واجب الثوريين في تبوأ مقدمة هذا التمرد بجرأة، وصياغة أكثر المقترحات انسجاما و دينامية في الدفاع عن الحريات النقابية والعودة إلى العمل النقابي المكافح، والنضال من أجل إعادة إرساء وتوسيع الديموقراطية النقابية كوسيلة لا غنى عنها لتعزيز النقابة، وقاعدتها الجماهيرية وقوتها الضاربة ضد أرباب العمل وضد الدولة البرجوازية. التصدي الفعال للمس بالحرية النقابية، والنضال من أجل عمل نقابي مكافح، في خدمة الأجراء حصرا، والنضال من أجل الديموقراطية النقابية (التي قد تشمل البحث عن أشكال تنظيم وأنظمة جديدة تتيح ضمان افضل لرقابة الأعضاء على النقابات): هذه هي المهام الثلاث للثوريين في الفترة الحالية، مستخلصةً من تحليل مكانة النقابات في المجتمع الرأسمالي المنحدر
1- ضد اتفاقات طويلة المدة وضد بنود «السلم الاجتماعي»
تستتبع ممارسات «البرمجة الاقتصادية والاجتماعية» ضغطا ثابتا من التروستات الكبرى والحكومات البرجوازية لأجل «برمجة الأجور» و «تكاليف الأجور». ومن ثمة ميل أرباب العمل والدولة البرجوازية إلى فرض مدد طويلة جدا للاتفاقيات الجماعية، وبنود تجبر النقابات على «احترام السلم الاجتماعي» (أي الامتناع عن كل نشاط مطلبي، وعن كل وقف منظم للعمل، وعن كل اعتراف بالإضراب) خلال مدة الاتفاقية. هذه البنود مخالفة لطبيعة العمل النقابي الحر نفسها. وحتى في القانون البرجوازي الجاري، يحتوي دوما كل عقد على بند يحدد شروط الفسخ. لن يقبل أي تاجر أو صناعي رأسمالي توقيع عقد لا يسمح، بأي شرط، بفسخه. ان فرض اتفاقيات من هذا القبيل على الحركة النقابية يعني إجبارها على خنق مبرر وجودها وكذا الحرية الأساسية لأعضائها. إن نقابة مجبرة على رفض الاعتراف بإضراب تقوم به أغلبية أعضائها لن تكون معادية صراحة للديموقراطية وحسب، بل ستكون أيضا مرغمة على اقتراف إساءة ائتمان مالي حقيقي برفض تمكين أعضائها من صناديق المقاومة التي تعود لهم. إذن يستدعي الدفاع عن الحريات النقابية محاربة كل ميل الى تطويل مدة الاتفاقيات الجماعية، ورفض تضمين الاتفاقيات أي بند حول « احترام السلم الاجتماعي». يجب أن يكون أعضاء النقابات أحرارا في فسخ كل اتفاقية جماعية كأي اتفاق تجاري آخر. وفور فسخ مثل هذا الاتفاق، يجب أن يكون لدى أعضاء النقابات الحق في استعمال كل القوة المنظمة للنقابة، ومنها القوة المالية، للدفاع عن مصالحهم، بما في ذلك تمويل الإضراب. يتم الاعتراض أحيانا بحجة تناقض هذا الموقف مع ما توليه الحركة العمالية تقليديا للتخطيط الاقتصادي، وللنضال ضد «الفوضى الرأسمالية» من أهمية. إنها في الواقع حجة سفسطائية. فالعمال يحاربون الفوضى الرأسمالية التي يعانون نتائجها بالسعي الى استبدالها بالتخطيط الاشتراكي الذي يتيح وضع الاقتصاد في خدمة تلبية حاجات الجماهير الكادحة. لكن هذا يستدعي إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وزوال الاقتصاد الرأسمالي، وإلغاء المنافسة و اضطلاع العمال المنظمين في مجالس بالسلطة الاقتصادية والسياسية. ليست «البرمجة الاقتصادية» الرأسمالية سوى تقنية لتخفيف آثار الفوضى الرأسمالية دون قدرة على إزالتها، وتقنية لسير أفضل لاستغلال الرأسمال للعمل. وتبقى مبنية على نظام الربح والتملك الخاص. وما ثمة من مبرر لتضحية العمال لصالحها بالدفاع عن مصالحهم الخاصة، بينما يستعملها أرباب العمل بالضبط بقصد التقدم على نحو افضل تنظيما في الدفاع عن مصالحهم.
2- ضد كل تقييد لحق الإضراب وضد العقاب المالي للنقابات
يستتبع رفض كل بند «سلم اجتماعي » في الاتفاق حول الأجور رفض كل تشريع «يقنن» وبالتالي يقيد حق الإضراب. إن حق الإضراب هو الحق المادي الفعلي الوحيد الذي تتمتع به الطبقة العاملة في ظل النظام الرأسمالي. إن ما يميز العامل المأجور عن العبد هو قدرته على رفض العمل بشروط أو بأجور يعتبرها غير مقبولة. لا يمكن الاعتراف بهذا الحق الأولي لعامل فرد ورفضه للعمال كجماعة. لهذا يجب فضح كل تشريع يسعى الى تقنين، وبالتالي تقييد، ممارسة حق الإضراب بما هو نيل من حق العمال في وقف العمل عندما تبدو لهم الشروط غير مقبولة، أي بما هو خطوة اتجاه إرساء العمل القسري. ان التقنين الذي ينص على «التجنيد المدني» لعدة شرائح من العمال، أي إجبارية العمل ولو بأجور يعتبرونها غير مقبولة، في «ظروف أزمة»، يكشف بجلاء هذا التطور الحاصل في النظام الرأسمالي. ويسقط مرة أخرى القناع عن طبيعة الدولة البرجوازية بما هي راعية لمصالح طبقة ضد أخرى. ما هي إذن الدولة البرجوازية التي قد ُتقدم، بعد أزمة البترول الحالية،على سن قانون يرغم أرباب العمل على توفير وبيع منتجات بأسعار ثابتة في أوقات «الاضطراب الاقتصادي» هذه، خدمة «للمصلحة العامة» وبغض النظر عن سعر الكلفة والأرباح المرتقبة ؟ لماذا يمكن إجبار مالكي سلعة دون غيرها، قوة العمل، على بيعها باستقلال عن شروط إعادة الإنتاج المتغيرة فجأة (خاصة بفعل التضخم!)؟ يعني رفض كل تقنين و كل تقييد لممارسة حق الإضراب بشكل خاص ما يلي :
رفض كل إجراءات تفرض على العمال «فترات انتظار» أو «مصالحة إجبارية» قبل التمكن من اتخاذ قرار وقف العمل. الإضراب سلاح للنضال، لذا فإنكار حق العمال في عنصر المفاجئة إضعاف كبير لمفعول هذا السلاح ورفض لاستعماله إلا بعد السماح لأرباب العمل باتخاذ الإجراءات المسبقة بقصد أقصى إبطال للمفعول الاقتصادي للإضراب. الأمر شبيه بإصدار مرسوم يقضي بأن لا حق لأي منشأة صناعية وأي متجر في رفع أي من أسعاره دون سابق إعلام للزبائن مدته أربعة أسابيع، ومعلن في الجرائد وملصق بوضوح على الواجهات!
رفض كل تشريع يفرض على النقابات غرامات مالية بسبب «تعسف» في استعمال حق الإضراب أو «إخلال بالتزام السلم الاجتماعي» أو بسبب أي ممارسة للحرية النقابية. توجد مثل هذه التشريعات بالدول الاسكندنافية وفي جمهورية ألمانيا الفدرالية. وتتسرب تدريجيا إلى دول بنيلوكس. وحاولت حكومة المحافظين إدخالها الى بريطانيا. إنها تمثل تهديدا خطيرا جدا للحرية النقابية، لأنها ترهن إحدى أسلحة النقابة الأساسية: صندوق مقاومتها المالية.
——————————————————————————–
3- ضد التحكيم الإجباري، وضد تدخل الدولة في شأن النقابات الداخلي
تتمثل إحدى التقنيات المستعملة عادة من طرف الدولة في عصر انحدار الرأسمالية، بقصد تقييد حرية العمل النقابي، في إرساء نظام تحكيم إجباري. يتعلق الأمر بوسيلة جلية لثني العمال عن استعمال سلاح الإضراب. فمدة سريان التحكيم والمصالحة ستفك تعبئة العمال وتتيح لأرباب العمل والدولة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لنسف فعالية الإضراب. وفي نهاية المطاف، إذا فشلت المصالحة، سيفرض التحكيم الإجباري على «الشركاء الاجتماعيين» حلا يكون، في 99 % من الحالات، مضادا لمصالح العمال. جلي أن التحكيم الإجباري يضر بشكل أساسي بحرية ممارسة حق الإضراب، لأن النقابات ملزمة بتطبيقه، حتى ولو طالبت أغلبية أعضائها بالإضراب. لذا يجب رفض اعتماده أيا كانت شروط سعي البرجوازية وخدامها الى جعله مغريا. وتسير في نفس اتجاه التحكيم الإجباري كل الممارسات وكل التقنينات التي تتيح للدولة التدخل في الشؤون الداخلية للنقابة ومنها: <br>الممارسة المتمثلة في تنظيم الدولة-أو أي طرف آخر خارج النقابة- لاستشارة أعضاء النقابة بقصد استبيان موافقة أغلبية الأعضاء على القيام بالإضراب أو مواصلته. <br>الممارسة المتمثلة في تقنين الدولة لكيفيات تلك الاستشارة: إما باستفتاء مكتوب وسري أو بالجمع العام؛ بأغلبية نسبية أو بأغلبية الثلثين ، و برقابة المنظمين نقابيا وحدهم أو برقابة « أعوان قضائيين» أو أي ممثل آخر للدولة البرجوازية، الخ. كل هذه الممارسات منافية للحرية وللديموقراطية النقابية. ولا تخدم سوى هدف وحيد: منع العمال من استعمال سلاح الإضراب وفق مشيئتهم، ومنعهم من استعمال التنظيم النقابي للدفاع حصرا عن مصالحهم الخاصة، وكبح النضال العمالي الكفاحي، وعرقلة تطور الوعي الطبقي وتعتيمه. لذا يجب منع الدولة من إدخال مثل تلك الإجراءات حيث لا توجد بعد، والنضال من أجل إلغائها حيث توجد، وفي كل الحالات رفض الخضوع لها. النقابات أداة في خدمة أعضائها. ولا يحق لأي طرف آخر التدخل في شؤونها الداخلية. تنكشف وقاحة خدام الدولة البرجوازية وتحيزهم بشكل خاص عند فحص نوع «النظام الداخلي» الذي يسعون لفرضه على النقابات في ما يتعلق بالإضراب و إبرام اتفاقيات حول الأجور. هكذا، بينما يفرض التشريع البرجوازي أغلبية 66.6 % من أصوات أعضاء النقابات شرطا لصلاحية التصويت على قرار القيام بالإضراب ، غالبا ما يفرض في الوقت ذاته مبدأ كفاية نسبة 50.1% من الأصوات، وحتى 32.3% من أعضاء النقابات، لصلاحية اتفاق فاوضت بشأنه القيادة النقابية. يا لها من وقاحة بالغة: تسعى البرجوازية، في بعض الدول، الى فرض استفتاء إجباري عند العزم على الإضراب، لكنها ترفض في الوقت ذاته الاستفتاء بشأن نتائج المفاوضات حول الأجور. انه اعتراف صريح، لا استزادة فيه، أن لا هدف لكل هذه التقنينات غير تعسير اندلاع النضالات العمالية، أي غير خدمة مصالح أرباب العمل.
4- ضد المس باشتغال حواجز حراسة الإضراب PIQUETS DE GREVE
لا يمكن أن تشتغل الحرية النقابية والممارسة الحرة لحق الإضراب كما ينبغي إلا إذا امتلكت أغلبية العمال الوسائل الفعالة لاقتياد كافة رفاق العمل الى وقف العمل في آن واحد. طبعا، يمثل الإقناع ووعي المصلحة المشتركة الوسائل الأكثر فعالية في هذا المضمار. لكن عمال منشأة ما، أو فرع صناعي معين، لا يبلغون نفس درجة الوعي في ذات الوقت. وبإمكان أرباب العمل والدولة البرجوازية استعمال انقسامات عديدة تظل قائمة داخل الطبقة العاملة: اختلاف الآراء السياسية أو الفلسفية، والفروق الإثنية أو العرقية، وفروق الجنس أو السن والفروق الإقليمية، وتباين المهارات، واختلاف الأصل الاجتماعي والوضع العائلي…الخ. لهذا، علاوة على الإقناع الشفوي أو المكتوب، وعلى القبول الإرادي لقرار الأغلبية المتخذ بديمقراطية في جمع عام، تضطر الحركة النقابية والنشاط العمالي الى اللجوء إلى الإقناع عن طريق الفعل. هكذا، يرمز حاجز حراسة الإضراب إلى قوة قرار الأغلبية، ويبين على نحو عملي وواقعي ما يعني لأقلية أن تتعارض مع قرار أغلبية رفاقها في العمل، فلا غنى عن حاجز حراسة الإضراب من أجل ضمان فعالية الوقف الكلي للعمل. أبان العمال بوضوح، خلال السنوات الأخيرة، عن وعيهم بالاستعمال متعدد الأوجه لسلاح حاجز حراسة الإضراب: ليس لمراقبة مداخل للمنشأة وحسب، بل لمراقبة كل سبل تداول السلعة، ليس فقط فلمنع دخول كاسري الإضراب إلى المنشأة، بل أيضا لمنع السلع التي من شأنها إلغاء الأثر الاقتصادي للإضراب؛ وإقامة حواجز في الأزقة لمنع مرور كاسري الإضراب أو «السلع المهربة»؛ ومقاومة التهديدات بإغلاق المصانع وتدخلات البوليس القمعية،الخ. ترافق الانبعاث المدوي للنضالات العمالية مند ماي 68 بفرنسا مع الظاهرة المهمة المتمثلة في حواجز حراسة إضراب جماهيرية، شارك فيها آلاف العمال. وكان حاجز حراسة الإضراب بمحطة توليد الكهرباء في Saitley في Birmingham خلال إضراب عمال المناجم سنة 1972 ببريطانيا، وحاجز حراسة الإضراب إبان الإضراب الأخير بمصانع فيات بتورينو Turin بايطاليا، من الأمثلة الأكثر إثارة للإعجاب. تعي البرجوازية ذلك جيدا. وتسعى الى أقصى تقليص له، وحتى الى حد المنع الصريح لاستعمال حواجز حراسة الإضراب، بالتصويت على قوانين عديدة مناهضة للإضراب. تلك كانت حالة بلجيكا إبان الإضراب العام لسنة 1960-1961 . وحالة القانون «ضد المخربين» بفرنسا، وكذا قانون العلاقات المهنية l’Industrial Relations Act في بريطانيا. يجب على العمال والنقابات أن يتصدوا بعزم لكل القوانين الآثمة من هذا الصنف. فحق الإضراب دون حق تشكيل حواجز حراسة الإضراب واستعمالها بحرية أشبه بسكين بلا شفرة، وحق موضع تساؤل، مقوض ونصف مغتصب. يمر الدفاع عن الحرية النقابية عبر الدفاع الحازم عن حواجز حراسة الإضراب وعن عملها. يتجه قمع الدولة البرجوازية المستهدف بشكل خاص لحواجز حراسة الإضراب المتنقلة نحو قمع جنائي متنام لـ« قادة» تلك الحواجز وانشط المشاركين فيها، كما حدث عند اعتقال عمال البناء البريطانيين في Shrewsbury ، والحكم عليهم بالسجن، لأنهم شاركوا في حواجز حراسة إضراب. إن انتزاع كل الرفاق المحكوم عليهم بالسجن لمشاركتهم في الحواجز وإلغاء كل تشريع يسمح بمثل تلك الأحكام، مسألة حيوية للطبقة العاملة والحركة النقابية.
5- ضد تسريح المندوبين والمناضلين العماليين الكفاحيين
أثار تجدد النضالات العمالية، في طور أول، تعارضا متناميا بين مسار التوفيق والتعاون الطبقيين للأجهزة النقابية من جهة، والنشاط المتنامي المتجذر أكثر فأكثر لقسم من مناضلي القاعدة(مندوبين…الخ) من جهة أخرى. وتسعى البرجوازية، وعيا منها بدور هذه الطليعة العمالية الأساسي داخل المنشآت والنقابات، لتركز عليها كل غضبها وكامل قوتها القمعية. إن تسريح مندوبي القاعدة النقابيين والعمال الكفاحيين هي الممارسة الأوسع استعمالا لبلوغ هذا الهدف. يمثل استعمال سلاح التضامن الواسع مع الرفاق المستهدفين واجبا أوليا للحركة العمالية. ويشكل هكذا تضامن الشرط الأساسي للدفاع على حرية النقابة وسلامتها. ستتلاشى القوة النقابية، بل ستندثر إذا أمكن لرب العمل أن يطرد، بلا عقاب، المناضلين النقابيين المرموقين، الذين وضعهم التصويت ودعم رفاقهم في العمل في مقدمة النضال. في هذه الشروط سيستحضر العمال الآخرون ذلك مرارا قبل الانخراط بحزم في النضال النقابي. لذا يجب على العمال أن يسعوا بكل الوسائل لينتزعوا، بواسطة العمل التضامني الواسع والجريء، إعادة دمج المناضلين العماليين المطرودين من طرف رب العمل. ان مثال عمال صناعة الزجاج في شارلوروا Charleroi الذين وضعوا أجلا لصاحب منشأة صغيرة Multipane ليرجع مناضلا الى عمله وإلا أضرب عمال كل مصانع القطاع مع احتلالها، ثم تنفيذهم فعلا لهذا الإضراب مع الاحتلال، مثال يجب التعريف به والاقتداء به في كل مكان.
6- ضد عصابات الرأسمال المسلحة و« مليشيات ارباب العمل» الخاصة وضد تقييد حرية العمل النقابي داخل المنشآت
لم تلجأ البرجوازية، بوجه تجدد قتالية العمال في أوروبا الرأسمالية، إلى جهود التحكم الإصلاحي والإصلاحي الجديد وحسب، بل لم تتردد أبدا في استعمال أسلحة عنيفة بجلاء اكبر. على هذا النحو خلق أرباب العمل بفرنسا، في بعض منشآت صناعة السيارات Citroën, Simca ، نقابات صفراء CFT وشكلوا عصابات مسلحة من «الملاكمين العنيفين» بقصد فرض شريعة أرباب العمل داخل المنشآت. وليس التهديد بالعنف والضرب وتخريب معدات الدعاوة وحملات ترهيب موزعي المناشير أو الممثلين النقابين الأحرار، ومحاولات إدخال كاسري الإضراب إلى المصنع، سوى ابسط أشكال عمل مليشيات أرباب العمل خدمة لـ«الدفاع على الملكية الخاصة». تم الانتقال بسرعة، في فرنسا وإيطاليا، من أشكال العنف الأولية هذه ضد العمال إلى أشكال «دقيقة» أكثر تقدما: اعتداءات مسلحة واختطاف مناضلين عماليين، واغتصابات واعتداءات بالقنابل، واغتيالات وفق الأصول. وقد تصبح هذه التعديات، الاستثنائية حاليا، منهجية بمجرد تفاقم الأزمة الاجتماعية. ستؤدي كل سياسة قائمة على الثقة بالبوليس و العدالة البرجوازية، بقصد الدفاع على الحريات و المنظمات العمالية ضد عصابات الرأسمال هذه، إلى الكارثة المحققة. فالدولة والبوليس والقضاء البرجوازي ليسوا « محايدين» عندما تتواجه ميليشيات أرباب العمال مع العمال، فإخلاصهم الطبقي يتجه الى صف أرباب العمل وحقدهم الطبقي يتجه ضد المناضلين العماليين. هذا علاوة على أن ميليشيات أرباب العمل الخاصة مرتبطة مباشرة بالشرطة البرجوازية، سواء بواسطة المصالح السرية للشرطة «الموازية» أو بمشاركة شبه صريحة لأعضاء من البوليس. يجب إذن على الحركة العمالية أن تفرض الممارسة الكاملة للحرية النقابية وسط المنشآت. يجب عليها أن تقضي في المهد على كل محاولة لعرقلة حرية توزيع المناشير والمذكرات النقابية أو مناشير ومذكرات أية منظمة عمالية، وحرية تنقل المناديب في المصنع كله، و عقد الاجتماعات العامة النقابية في أماكن العمل. يجب أن تدافع عن نفسها، بوجه عنف ميليشيات أرباب العمل، بتشكيل مجموعات دفاع ذاتي تحمي الاجتماعات العامة والأنشطة ومقرات النقابات والمنظمات العمالية أيا كانت.
7- لا دفاع عن الحريات النقابية والعمالية إلا بشكل شامل
لا علاقة للدفاع الحازم عن الحريات النقابية ضد كل محاولة للبرجوازية ودولتها للتعدي عليها برؤى «عمالوية» و «اقتصادوية» ضيقة تسعى لفصل الدفاع على النشاط النقابي عن الدفاع على المنظمات العمالية المسماة «أقلية» لأنها ثورية أو متهمة بكونها «يسراوية». على العكس تعلم التجربة مجددا أن طبقة عاملة و حركة نقابية تترددان في الدفاع عن الحريات العمالية بمجملها تقعان منذ البدء في شلل حاد عندما يكون مطلوبا الدفاع عن حرية الإضراب والحرية النقابية. تسعى البرجوازية الى تقسيم خصمها الطبقي وإظهار الأمور على نحو يوحي أن سياستها القمعية لا تستهدف سوى « مثيري الشغب» و« أقليات غير مسؤولة » أخرى. إنها تتجنب،منذ بدء مسارها القمعي، مهاجمة الحركة العمالية المنظمة برمتها. وتسعى، بتصرفها على هذا النحو، الى اكتشاف نقائص الُعدة العمالية وتقسيم الخصم واضعاف قدرة التصدي لدى الجماهير،المرتبطة الى حد كبير بوجود عناصر اكثر خبرة ووعيا وشجاعة والتي ينتمي قسم هام منها بالضبط الى مختلف منظمات او شرائح الطليعة. ان حظر مجموعات أقصى اليسار، ومصادرة الجرائد أو المناشير الثورية، ومتابعة المناضلين الثوريين قضائيا أو سجنهم، سيكون تحضيرا لانزال عقاب قاس بمندوبي المصانع ومندوبي القاعدة النقابية وقادة حواجز حراسة الإضراب والقادة العماليين الكفاحيين داخل المنشآت. هذه العناصر هي المستهدفة بشكل رئيسي بالتوجه القمعي للبرجوازية، ومن خلالها يراد تحطيم القتالية العمالية بمجملها والقوة الضاربة للحركة النقابية برمتها. من جهة أخرى، باتت أشرس التشريعات المضادة للإضراب، مثل قانون العلاقات المهنية البريطاني، تنص على عراقيل لحرية الصحافة، لاسيما منع التحريض على «الإضرابات البرية». فمنطق كل تشريع مضاد للعمل النقابي وللإضراب يفرض مهاجمة مجمل الحريات العمالية القائمة في ظل الديموقراطية البرلمانية البرجوازية الآفلة. على النحو ذاته ينطوي كل تقييد للحريات العمالية لمنظمات ثورية على خطر تمديد تلك الإجراءات وذاك المنع الى مجموع الحركة العمالية، بما فيها الحركة النقابية. لذا يجب على الثوريين تعميم ممارسة أوسع تضامن طبقي داخل الحركة العمالية. يجب أن يطبق بشكل شامل المبدأ الأساسي « العنصر الواحد من أجل الجماعة، والجماعة من أجل العنصر الواحد». يجب أن يثير كل مس بحرية عمل أي منظمة عمالية ردا جماعيا لمجموع الحركة العمالية المنظمة. لا يمكن قبول أي مس بحرية التنظيم وبحرية التظاهر، إذا أُريد الدفاع عن سلامة حق الإضراب والحريات النقابية. إن الجبهة الموحدة الأكثر اتساعا من أجل الدفاع عن الحريات العمالية بمجملها شرط آخر للدفاع الفعال على الحريات النقابية.