يقول الرئيس “الإسرائيلي” شيمون بيريز إنه يستطيع أن يفكر في ألف سبب لتكون تركيا و”إسرائيل” صديقتين ولا يستطيع أن يفكر في سبب واحد لكي لا تكونا صديقتين .
في الظاهر يبدو الاعتذار “الإسرائيلي” لتركيا على حادث اعتدائها على الباخرة التركية مرمرة التي حاولت كسر الحصار على قطاع غزة، وهو الاعتداء الذي أودى بأكثر من عشرة قتلى أتراك، وتعهدُ نتنياهو بتعويض أسر الضحايا نصر دبلوماسي لتركيا، ولعله كذلك بالفعل، بالنظر إلى أنه لم يسبق ل”إسرائيل” أن اعتذرت لأي دولة عربية، رغم ما اقترفته من جرائم وفظائع، لكن يظل أن تركيا ليست دولة عربية، ويظل أيضاً أن تركيا عضو في حلف “الناتو”، الذي يضع “أمن إسرائيل” في مقدمة أولوياته الشرق أوسطية .
ولكن الأسباب الألف التي تحدث عنها بيريز تظهر أن الأمر أبعد بكثير من مجرد نجاح دبلوماسي تسعى تركيا إلى تسويقه بهذه الصفة، فالاعتذار أتى بطلب أمريكي مباشر قدمه الرئيس أوباما في زيارته الأخيرة ل “تل أبيب”، في إطار ترتيب شامل يتصل بمجريات الأمور في المرحلة المقبلة، كما يراد لها أن تسير .
حتى حين قريب جداً جرى الترويج لأطروحة أن تركيا أدارت ظهرها ل “إسرائيل” وللغرب، وأنها حققت نجاحات في التقارب مع البلدان العربية والإسلامية، بل وجرى الحديث عن استدارة تركية كاملة نحو الشرق، بعد إخفاقها البيّن في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وسوقه المشتركة، وهو هدف تركي مازالت دونه الكثير من العوائق والشروط التي تعجز أنقرة عن الوفاء بها .
لكن تركيا التي جمدت في العام 2003، إبان التحضيرات الأمريكية للحرب على العراق، النشاطات الجوية الداعمة للحرب من قاعدة “انغرليك” الموجودة على أراضيها، ولم تسمح بفتح جبهة ثانية عبر حدودها مع العراق، تبدي اليوم تساوقاً ملحوظاً مع الخطط الغربية تجاه الوضع الراهن والمقبل في سوريا، وهي خطط قد تحتمل أشكالاً من التدخل العسكري المباشر أو غير المباشر .
لا تبدو النصيحة الأمريكية لقادة “إسرائيل” بالتفاهم مع تركيا التي وجدت لها ترجمة فورية، بإعادة تطبيع العلاقات وإزالة ما اعتراها من أسباب توتر، معزولة عن تفاهم أوسع حول مستقبل المنطقة بعد حسم الوضع السوري، أو حتى عبر هذا الحسم نفسه، لذا لم يكن العجوز شمعون بيريز ينطق عن الهوى، حين تحدث عن الأسباب الألف للصداقة مع تركيا .