لقد مر الشعب البحريني بمنعطفات تاريخية نضالية عديدة منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، قدّم خلالها الكثير من التضحيات الجسام تمثلت في كوكبة من الشهداء والمعتقلين والمنفيين والمبعدين والممنوعين من السفر والمحاربين في رزقهم والموضوعين على القوائم السوداء في عدم تقلد مناصب حكومية رفيعة بسبب وطنيتهم ونزاهتهم. ولكن ما تعيشه البحرين منذ حراك فبراير/ شباط 2011 من أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة وضع غير مسبوق في تاريخ البحرين الحديث، حيث تجاوز الوضع بكثير ما أشرنا إليه وأصبحنا مع الأسف الشديد وكأننا شعبان نعيش في وطن واحد!
ولن نتطرق هنا إلى المستفيد الأول والأخير من هذا الوضع المأزوم الذي يعيشه الشعب البحريني لأنهم أصبحوا مكشوفين للقاصي والداني، وهم كوكتيل من مسئولين ونواب ورجال دين وشوريين وبلديين وإعلاميين وقادة مجتمع محلي… إلخ.
إن الحوار الوطني الذي أطلقت عليه حوار الفرصة الأخيرة والذي وصل عدد جلساته إلى تسع جلسات، هو بالفعل الفرصة الأخيرة للفرقاء السياسيين لحفظ الوطن من الانزلاق إلى المحظور وحرق آمال وطموحات الشعب البحريني في نيل حقوقه المشروعة التي نصت عليها جميع الشرائع السماوية ومواثيق الأمم المتحدة من خلال حصوله على الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية. والأخطر من ذلك هو حصول ما لا تحمد عقباه وهو حرق الوطن من خلال الانفلات الأمني وبالتالي المواجهات الأهلية بين مكونات الشعب البحريني كما حصل ويحصل في العراق ولبنان، لأنه لا يوجد مواطن شريف في هذا البلد يتمني حصول ذلك. إذاً ما هو المطلوب من الفرقاء السياسيين حتى نجنّب الوطن وأهله الانزلاق إلى الهاوية؟ لقد تابعت مقابلة تلفزيونية مع مجموعة من الشباب العراقي من الجنسين بمناسبة مرور عشر سنوات على ذكرى الغزو الغربي للعراق وإنشاء نظام ديمقراطي بمواصفات غربية، وقد لفتت نظري وجهة نظر إحدى الشابات الجامعيات وملخص ما قالته انها مع الديمقراطية والتعددية والعدالة والمساواة، ولكننا افتقدنا وأصبحنا نحمل أكفاننا في أيدينا، والميليشيات التابعة للأحزاب والجماعات الراديكالية تجول وتصول في البلاد، فالقتل أصبح على المذهب والهوية، والخدمات التعليمية والصحية والإسكانية وغيرها في تدهور مستمر، والفساد بجميع أشكاله ليس بأقل مما كان عليه سابقاً بل ربما أكثر بكثير. وانتقلنا من الحكم الدكتاتوري الشمولي إلى دكتاتورية الديمقراطية.
إذاً ما فائدة الديمقراطية والتعددية والوطن يحترق بنيران الطائفية والمليشيات والفساد… نحن نريد المصالحة الوطنية والأمن أولاً. هذا ما قالته الفتاة ونتمنى أن نتعظ هنا في البحرين من ذلك.
أكاد أجزم بأن معظم الشعب البحريني مع الحوار البناء والفعال والمنتج الذي يحقق الاستدامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويجنب البلاد والعباد البقاء في النفق المظلم. ومن هنا يتوجب على الفرقاء السياسيين أن يعوا اليوم وقبل الغد أن الشعب البحريني بجميع مكوناته يتطلع إلى أن يترفع أطراف الحوار عن المصالح السياسية أو الفئوية أو الحزبية الضيقة ويفكروا في معاناة الشعب البحريني الذي يعيش في قلق متواصل على مستقبل البلاد، ومن هنا نوجه الرسائل التالية إلى الفرقاء السياسيين.
بالنسبة للحكومة عليهم أن يدفعوا تجاه إيقاف أو تخفيف القبضة الأمنية على القرى، وأن يثقوا بممثلي الشعب البحريني وبالذات ممثلي المعارضة لأن مطالبهم في المعظم مشروعة وواقعية، وعلى سبيل المثال لا الحصر أكاد أجزم بأن الشعب البحريني بمكوناته كافة لا يختلفون على أن يكون لهم برلمان كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية، ويكون نداً قوياً للحكومة وليس تابعاً لها كما هو الحال عليه الآن! وعلى ممثلي الحكومة أن يدركوا جيداً أن الشعب البحريني ليس هو الشعب قبل 14 فبراير، فالشعب أصبح أكثر وعياً بحقوقه السياسية، ولن تنطلي عليه الحلول والمسكنات الترقيعية، ولن يقبل بأن يعود خالي اليدين، والاستدامة السياسية تتحقّق بوجود معارضة وطنية حقيقية وليست شكلية، وإن الرهان على الوقت سيدمّر البلد.
بالنسبة للمعارضة عليهم أن يساهموا في إيقاف العنف في الشارع ومنح فرصة للحوار والتحلي بالبراغماتية والمرونة السياسية دون التخلي عن المطالب المشروعة للشعب البحريني، وأن يفتحوا حواراً جاداً مع التيار السياسي السني بعيداً عن طاولة الحوار والتوافق على ما يريده الشعب البحريني، فهذه الخطوة سوف تقصر المسافة للوصول إلى حل ناجع للأزمة السياسية في البحرين، وسوف تجد الحكومة نفسها في وضع لا تحسد عليه، وسوف توافق على ما يتفق عليه ممثلو الشعب البحريني في طاولة الحوار. ومن هنا نوجه نداءً مخلصاً لشباب 14 فبراير لمنح فرصة للحوار الوطني والذي نأمل أن يلبّي تطلعات الشعب البحريني في الحصول على حقوقه المشروعة.
بالنسبة للتيار السياسي السني الذي يُطلق عليه سياسياً «الموالاة»، عليكم أن تفتحوا حواراً جاداً مع المعارضة وأن تتفقوا معهم على الـ 80 في المئة من المطالب التي أعلنتم عنها وتضعوها على طاولة الحوار، وأن تضعوا مسافة واضحة بينكم وبين الحكومة، فشرفاء الشارع السني الذي تمثلونه لم ولن يقبلوا بأن يكونوا «ريموت كونترول»، أو قطع شطرنج أو دُمى كما صرّحتم، بل الشارع الوطني السني له مطالب لا تقل جذريةً عن مطالب المعارضة، وشرفاء الشارع السني لن يغفروا لكم، فاللحظة التاريخية فقط هي التي وضعتكم على طاولة الحوار. وأقولها لكم بصراحة وثقة مطلقة، لو جرت انتخابات نزيهة لاختيار من يمثّل الشارع السني لما تواجدتم على الطاولة اليوم، فزمن العبودية والخنوع و «الريموت كونترول» ولّى إلى غير رجعة، ولن تبقى إلا أزهار الربيع… أليس كذلك يا أخ أحمد جمعة؟.
أيها الفرقاء وبالذات الحكومة وممثلي الائتلاف الوطني (الموالاة)، عليكم أولاً وأخيراً أن تعرفوا جيّداً بأن البديل عن الحوار الوطني الجاد والمنتج، والاعتراف الصريح بمطالب الشعب البحريني المشروعة وتنفيذها بنزاهة، هو الفراغ السياسي الذي سوف يؤدي إلى حرق البلد، حينها لا ينفع الندم و «كلمة يا ريت عمرها ما عمرت بيت»… فمن يرفع الشراع؟