بقلم: Costas Christodoulides، رئيس قسم الشئون الأوروبية وعضو اللجنة المركزية للحزب الشعب العامل القبرصي ” الشيوعي” AKEL
ترجمة : غريب عوض
مع مرور الزمن سوف نكتشف نحنُ جميعاً في قبرص السر غير المُعترفَ بوجودهِ، ألا وهو أن الاتحاد الأوروبي ليس هو أبعد من أن يكون نادياً من الملائكة فحسب، بل هو اتحاد تعتمد أعماله على قوانين السوق وعلى أعلى درجات الرِبحية. ونظراً لأن قوى ودوائر سوف تقول مباشرةً “إذاً لماذا وافق الحزب الشيوعي القبرصي على دخول قُبرص الاتحاد الأوروبي”، سوف نُعيد للذاكرة أن الحزب الشيوعي القبرصي صرح، أثناء قرار الموافقة التي تمت في انعقاد مؤتمرهِ الثامن عشر، “بأن تقديرات ورأي الحزب فيما يتعلق بوضع الاتحاد الأوروبي كشكلٌ مُتقدم من التجمع الرأسمالي السياسي والاقتصادي لم يتغيّر”.
ويُبيّن نفس القرار بأن “الحزب يعتقد بأن مسير انضمام قُبرص للاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تكون لهُ نتائج إيجابية إلا إلى درجة أن يُعزز هذا الإجراء الجهود للتوصل إلى حل المُعضِلة القبرصية ضمن إطار الأمم المُتحدة واتفاقيات المُستوى العالي”. ويطرح القرار الشروط الإستباقية التَكَهُنية التالية:
1) المحافظة على الحقوق النقابية وعلى مُكتسبات العمال (مكافئة تكاليف المعيشة، التأمين الاجتماعي، إلى آخرهِ).
2) المحافظة على استقلالية الإطار المؤسساتي العملي الديمقراطي للحركة التعاونية.
3) المحافظة على الشكل الاجتماعي لمنشئات المنفعة العامة وعلى الدور الاجتماعي للدولة بصفة عامة.
4) توفير الحماية والدعم لقطاعات الإنتاج الحساسة (الصناعة، الزراعة)، بالإضافة إلى دخل المُنتجين.
إن الأيام القادمة مهمة جداً للبعض في أن يوزع بسخاء “الحِكَمُ الموجزة” عن “العمل ضد مصلحة أوروبا” في حين أن الحقيقة ساطعة كعين الشمس. واليوم يتم ابتزاز قُبرص من خلال تصريحات أطلقها مسئولون رسميون في الاتحاد الأوروبي، التي يقول نَصَها’ إذا رفضت قُبرص الشروط التي تفرضها هذهِ الجماعة المُتنفِذة فإنها، أي قُبرص، سوف تتعرض للإفلاس وذلك بواسطة حِرمانها من الودائع والضمانات المصرفية. ويستهدف هذا الابتزاز المقصود الرأسمال الأجنبي الموجود في البنوك القُبرصية من ناحية، والثروة القُبرصية، الطبيعية وغيرها من ناحية أخرى.
وقد طلب الاتحاد الأوروبي في السابق أن يتم وضع القطاع التعاوني تحت السيطرة، وذلك عن طريق تغيير الصفة المستقلة للمؤسسة الاقتصادية الوحيدة التي هي تاريخياً، ولكن أيضاً في شكلها المُعاصر، تُقدم الدعم للطبقة العاملة الكادحة في قُبرص. لقد سَعت، وحققت جزئياً، وضع القيود على المكافأة التلقائية لغلاء المعيشة، بتوجيهها ضربة إلى دخل الشعب، وفي نفس الوقت لم يتم “الحد من” ارتفاع أسعار السِلَع.
بالإضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي يحاول تفكيك الاتفاقيات الجماعية وإضعاف دور النقابات العمالية.
وفيما يتعلق بمنشآت المنفعة العامة، لقد تنبأ الحزب الشيوعي القبرصي من خلال التحليل الديالكتيكي بأن صفاتها سوف يتم الاختلاف حولها في الاتحاد الأوروبي، وكذلك حول الحد الأدنى للدور الاجتماعي للدولة، وهي الظاهرة التي نراها اليوم أكثر وضوحاً، والتي تأخذ شكل الاستقطاعات، وما هو مُفترض أن تكون سياسات مُستهدفة تُصيب بالضرر العائلات الكبيرة، والأشخاص من ذوي الإعاقات، والقطاعات الضعيفة في المجتمع.
إن الطبقة الحاكمة التي تحكم الاتحاد الأوروبي لم تُطبق جميع هذهِ السياسات بواسطة مذكرة التفهم فقط، وإنما أيضاً بواسطة مجموعة من القرارات في شكل توجيهات وقوانين. وعن طريق ما يُسمى توجيه الخدمات Bolkestein، في الأسواق المحلية، مُنذُ عام 2006 مَهَدَ الاتحاد الأوربي الطريق للشركات مُتعددة الجنسية لِتطرح في أي دولة، شروط التوظيف، على سبيل المثال، المفروضة في جمهورية أستونيا، بالإضافة إلى تصدير الأيدي العاملة لديهم إلى الخارج.
ومن فترة ليست بالبعيدة قدمت المُفوضية الأوروبية مُقترح لمراجعة قانون العمل في الدول الأعضاء ليخدم احتياجات المنافسة، في حين مع مراجعة ميثاق الاستقرار مطلوب من الدول الأعضاء من ناحية أخرى تخفيض ميزانيات مدفوعاتها بنسبة النصف في المائة إلى أن يصبح هذا فائض دون حتى النظر إلى موضوع السياسة الاجتماعية والتنموية. ومن المُهم أيضاً التذكير أنهُ مُنذُ انضمام قُبرص إلى اتحاد النقد الأوروبي واعتماد عُملة اليورو طُلِبَ من شعبنا تطبيق سياسة التقشف، وكذلك زيادة تعزيز فوائد اجتماعية مُستهدفة لعدد آخذ في الانخفاض من السُكان.
هذهِ هي نتيجة ميزان القوى في أوروبا، وائتلاف القوى الدولي، ولكن أيضاً قوى المُعاهدة الأوروبية للتأسيس التي هي من خلال تعزيز مُعاهدة لِشبونة ومن ذلك الحين فصاعداً أصبح جعل المؤسسات الرسمية تؤمن بالرأسمالية أمرٌ غير كافٍ، وإنما المطلوب أيضاً تطبيق السياسات من أجل المنافسة الجامحة وزيادة خلق الاحتكارات والتنافس بينها. وبتعبير آخر، لقد انتقل الاتحاد الأوروبي، وهذا يجب أن يتم تقديره، إلى مستوى آخر. وقد رفض الحزب الشيوعي القبرصي كُل هذا وهو يتحمل المسئولية أمام شعبنا، وبالتالي يُثير غضب هؤلاء الذين يحتفلون اليوم بانتصار قوى اليمين.
إنهُ من الصعب على هؤلاء الذين يخفون هذهِ الحقيقة تقدير الذي سوف يأتي تبعاً وهُم يقولون أنهم يعملون على نحوٍ إيجابي من أجل مصلحة قُبرص. إن القضية هو أن تلتزم بموقف سياسي ثابت يتضمن دعم وتأييد مقاومة الشعب العامل إلى أعلى درجة مُمكنة والنضال ضد هذهِ السياسات.
ويستمر المأزق الحقيقي. أي، فيما إذا كانت هذهِ الصِفة الرجعية العدوانية للإتحاد الأوروبي، والتي هي تتعارض على نحواٍ متزايد ملحوظ مع المصالح الطبقية والمصالح “الوطنية” للدول الأصغر التي تُضحي من أجل تكامل مُبهم والذي هو في الحقيقة يُحافظ على الحركة الحُرة للعمال واستغلال الموارد وقوة العمل في بيئة من توحش الرأسمالية، ويصب في مصلحة الشعب العامل القبرصي، ورجال الأعمال المتوسطين والصغار وجيش مُتنامي من العاطلين. بالإضافة إلى أن بيع قطاع الدولة للقطاعات المُتنفِذة الكبيرة هي قضية حاسمة واضحة في حياة قُبرص حيثُ ستحاول الحكومة والقوى المحلية تسليم البُنية التحتية، والعمل والشعب العامل بذاتهِ للشركات التضامنية. ولا شك أن نفس الفلسفة سوف لن تترك الغاز الطبيعي سليم، ليس بسبب الاتفاقيات الثُنائية الإستراتيجية فحسب، بل من خلال مُهمة استغلالها لمجموعات العمل في القطاع الخاص.
وفي نفس الوقت، مع اختيار قُبرص أن تُصبِح عضو في الاتحاد الأوروبي، أصبح من الضرورة تنظيم وتوسعة ومضاعفة النضال على المستويين المحلي والدولي لتلك القوى في الجبهة الأمامية من النضال وعلى جانب غالبية الشعب، والشعب العامل، والفقراء، والشباب اليائس من الحصول على وظيفة. سوف تقف هذهِ القوى كزاوية مُحصنة للاتفاقية الضمنية بين السُلُطات السياسية والاقتصادية المحلية، مع الطبقة الحاكمة في الاتحاد الأوروبي لتسليم القطاعات المُهمة من الاقتصاد للرأسمال الكبير تحت عباية ظروف الطوارئ. إن عواقب إعادة رأسملة بنوك قُبرص أصبحت تظهر نتائجها السلبية على الشعب القبرصي العامل بنفسه بشكل متزايد واضح. وفي نفس الوقت، تُقدم، هذهِ التحليلات المعروضة في وسائل الأعلام والتي تُنادي “بالمسؤولية” في مواجهة الاستقطاعات والفقر والتي تحث بوعي على الخصخصة كخروج من الأزمة، تقدم للشعب فرصة لِيُقدر في النهاية بطريقة واضحة جداً من الذي يعمل وما هي المصالح التي يعمل من أجلها.
والطريق الوحيد أمامنا هو الاستجابة الشعبية القوية والإعداد للمقاومة الشعبية، وتعميم الرؤية من أجل تحرير قُبرص من براثن الاحتكارات الخانقة؛ وهو الطريق الذي سوف يُحرِرُنا من كابوس البطالة، والفقر، وسوف يُقدم لنا أملاً حقيقياً لما هو يبدو مأزقاً أوجدهُ “الخبراء العارفين”، ووسائل الأعلام، والقيادات الرسمية للكنيسة، وأطراف اتفاقية الاستسلام والخضوع، كطريق وحيد أمامنا. إن هذا الطريق من النضال سوف يطلب من الرجال والنساء العاملين، والعاطلين، والنساء العاملات بوظائف مؤقتة، وصغار المُتعهدين، بأن يقرروا بوعي النزول إلى الشوارع ليناضلوا كما تفعل الشعوب الأخرى في أوروبا وفي بقية أنحاء العالم.