لقد أصبح الإنسان مجرد مُشاهِد لكل ما يحصل لوجوده الخاص، عاجزاً عن تغييره، وأصبحت علاقاته سلوكاً تحدده منظومة الأشياء. باختصار: إنه إنسان مسلوب الهوية والإنسانية والاجتماعية والتاريخية، وهذا يعني أنه ملغى ولا تساوي قيمته أكثر من قيمة الشيء.
ان النظام الرأسمالي ليس نظاما اقتصاديا فحسب , بل علاقات اجتماعية و سياسية منبثقة من علاقات الانتاج الاقتصادية الرأسمالية ايضا , فطبيعة الانتاج و العلاقات المنبثقة منه هي التي تحدد شكل علاقة الانسان بنفسه مع بيئته الصغرى و علاقته ببيئته الكبرى و كل ما يحيط به من ظواهر.
ان الشكل المنبثق لعلاقة الانسان مع نفسه في النظام الرأسمالي نابع من الدوافع الاقتصادية التي تمليها الظروف المحيطة عليه , و بالتالي الظروف الاجتماعية .
لم يعد الفرد ينظر إلى نفسه بوصفه فاعلاً مفكراً حاملاً للقدرات الإنسانية، بعد اندماجه عن ـ وعي أو بغير وعي ـ في الماكينة الرأسمالية، بل إنّه أضحى يحدد علاقته بنفسه على أساس أنه شيء يمكن استخدامه بنجاح في السوق، مادة خام قد تستثمر بنجاح، إذا أحسن استثمار نفسه، وهدفه أن يجني أكبر كم ممكن من المال جرّاء عرضه. فإذا جنى الكمّ المطلوب فهو ناجح، وإذا لم يجن فهو فاشل.
أما مقياس النجاح, فهو النقود, الملكية, الأشياء , أي رموز الغنى . و في الركض وراء النجاح , يرى الفرد في قريبه اما منافسا و اما وسيلة لبلوغ هدفه بالذات . و تولد علاقات قائمة على الحساب الصرف, على اعتبارات الربح. و في هذا الصدد كتب عالم الاجتماع الأمريكي مرتون يقول( ان مفهوم النجاح, بمعنى الحصول على المال , باعتباره هدفا وارد في الثقافة الأمريكية) و الأصح القول في الثقافة البرجوازية الأمريكية , في العلاقات الرأسمالية, و على هذا الأساس تبنى الدعاية البرجوازية التي تقدم بأشكال و صور متنوعة لصيقة اعلانية كتب عليها (بوسع كل مرء أن يصبح مليونيرا)
ان الفرد في ظل النظام الرأسمالي لديه شعور في كثير من الأحيان بتشيؤه، وانقياده وراء مقولة “أنه حر في اختياراته”، إذ إنّ عدم الشعور والوعي بفقدان الشعور الإنساني لديه هو من أبرز ما يساهم في استشراء هذه الظاهرة وتعميمها مجتمعياً، وترسيخ عقلية السوق على أنها النموذج الحضاري الجديد الذي يستحق الاحتذاء به.
لا تقتصر ظاهرة تسلع الانسان على علاقته مع نفسه فحسب بل و تنتقل الى علاقته العائلية ,ففي العائلة كما في قطرة ماء تنعكس العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع, فان العلاقات الاقتصادية والحقوقية والاخلاقية والدينية تترك خاتمها على طابع العلاقات في العائلة , ففي اقتصاد السوق تضحي العلاقات العائلية علاقة مركنتيلية (تجارية صرف) , و تصبح مصالح العائلة هي انعكاس لمصالح السوق و للعلاقات الاقتصادية السائدة.
وكنتيجة لذلك باتت العلاقات الرابطة بين إنسان وآخر، هي نفسها العلاقات الرابطة بين شيء وآخر، تحكمها قيم السوق وتجسّد صورة حركة السلع المادية، أي صارت عبارة عن علاقات آلية غير شخصية، وموضعاً للتبادل التجاري والاستغلالي، وبالتالي فإنها أصبحت علاقات مجردة بين أشياء أو بين آلات حيّة تتنفس تأكل وتشرب وتموت، وكل آلة تستخدم الأخرى لأغراض شخصية مادية بالدرجة الأولى، وبذلك أصبحت المجتمعات الحديثة مؤلفة من ذرات منفصلة وجزئيات يغترب بعضها عن بعض، لكنها تتماسك بالمصالح الأنانية وضرورة استفادة كل طرف من الآخر.
و لا يقصر الأمر على ما سبق و حسب بل لقد و صل الى ان الكثير من النظريات البرجوازية صورت الجماهير على انها سلح (تكسد) , و (تفسد) فنظرية مالتوس عن السكان التي تقول ان هنالك فائض سكاني هائل هو الذي يسبب الفقر و المجاعات , فيعتبر هؤلاء حسب نظرية مالتوس بأنهم سلع كاسدة (زائدة) و يجب القضاء عليها , و تعطي النظريات البرجوازية المشابهة الذريعة للدول الامبريالية باستخدام (المبيدات البشرية) لاتلاف هذه (السلع الكاسدة) , و أيضا لأجل شن حروبهم اللصوصية ضد الشعوب للحد من تحررها.
ففي عام 1981 هلك في كوبا 99 طفلا, لقد سقطوا ضحايا وباء حمى (دنغة) النزيفية الذي أزهق أرواح 156 شخصا. لقد تفشى هذا الوباء في بعض مناطق البلاد في ان واحد, علما بأنه لم ترد أي معطيات عن اصابات بهذا المرض في الدول الاخرى في المنطقة . وفي أقل من ثلاث سنوات اصيبت الماشية والمزروعات في كوبا خمس مرات بأوباء خطيرة : في البدء (طاعون الخنازير) ثم (الفطر الأزرق) الذي ضرب مزارع التبغ , والمرض المسمى (رويا) في مزارع قصب السكر و فيما بعد تفشت وسط السكان حمى دنغة النزيفية و التهاب الملتحمة النزيفي. واتهمت كوبا علنا الدوائر الحكومية للوليات المتحدة باستخدام السلاح البيولوجي ضدها. وأثبت الخبراء الكوبيون والأجانب , نتيجة للأبحاث التي أجروها, أن فيروس (دنغة – 2) نشر في كوبا بطريقة اصطناعية , واستنادا الى التحليل المتظم والشامل للأنباء الواردة من مصادر مختلفة ثبت أنه لم يجر في أي بلد واحد من البلدات التي تقيم كوبا علاقات معها تسجيل تفشي الوباء الذي يثيره الفيروس المكتشف في كوبا , الا أنه من المعروف أن مراكز أبحاث الوليات المتحدة التي تتعاطى صنع الاسلحة البيولوجية ركزت اهتمام هائل على هذا الفيروس.
و يعتقد أن الوليات المتحدة الأمريكية تستخدم قارة افريقيا لتجاربها لنشر فيروس الايدز هناك .و الجدير بالذكر أن ان وباء الايدز يتسبب في حصد ارواح 91% من الوفيات في 29 دولة افريقية, ويذكر تقرير إحصائي نشره المؤتمر الدولي الرابع عشر الذي عقد أوائل يوليو/ تموز الجاري ببرشلونة بإسبانيا أن معدل العمر بخمس دول أفريقية أصبح تحت الـ40 سنة نظرا لانتشار مرض الإيدز، وهي: بوتسوانا وموزمبيق وليسوتو وسوازيلاند وجنوب أفريقيا.
و بما انه ليس هناك اي مصلحة مالية ربحية من صد هذا الوباء , فلن يتم التصدي له.
فهذه (السلع ) قد (كسدت) و حان وقت اتلافها..
المصادر :
1- اقتباس من منشورات (الارهاب الأمريكي) الصادرة عن دار التقدم
2-المادية التاريخية ل فلاديسلاف كيللة و ماتفي كوفالسون في دراسة نظرية المجتمع الماركسية.
3- تم اخد الاحصائات من موقع منظمة الصحة العالمية
4- التقرير الاحصائي الذي نشره المؤتمر الدولي الرابع عشر في اسبانيا.
منقول عن موقع الحوار المتمدن.