المنشور

التعصب شحنة عنف


لفهم ظواهر العنف التي تجتاح عالمنا العربي اليوم، علينا ملاحظة أنه يتخذ، في بعض حالاته، أشكالاً رمزيةً مهذبةً في الظاهر، لكنها تنطوي على شحنات من العنف الكامن، بما فيه ما يمارسه الشخص على ذاته من عنف، تماهياً مع ما هو سائد أو اتساقاً قسرياً معه .

بعض من درسوا ظاهرة العنف السائدة في أكثر من بلد عربي نبّهوا إلى الترابط الوثيق بين العنف السياسي والعنف الاجتماعي، لا بل والثقافي من زاوية أن الأول ينتج في أشكاله الصارخة عن الاثنين الأخيرين .

يذهب الدكتور فؤاد زكريا، ومثله الدكتور حسن حنفي، إلى أن التعصب ينطلق من اعتقاد المرء بأن الفئة التي ينتمي إليها، سواء كانت قبيلة أو وطناً أو مذهباً فكرياً أو دينياً، أسمى وأرفع من بقية الفئات التي هي، بالنتيجة، أحط من تلك التي ينتمي إليها هو .

لذلك فإن المتعصب يميل إلى إلحاق الضرر بالغير ممن يشعر تجاههم بالحقد أو الحسد أو الاحتقار .

والتعصب لهذا السبب ليس جرعةً زائدةً من التدين مثلاً، بقدر ما هو موقف فكري وسياسي مبني على تعبئة نفسية خاطئة كونها لا تخاطب عقل الإنسان ووعيه، وتدفعه إلى التصادم والمواجهة ليس مع السلطات وحدها، وإنما مع المجتمع برمته عندما يُرمى بالكفر والفُسق، من الموقع الذي أسماه أحد الكتاب “الاستعلاء بالإيمان” الذي يفترض أن صاحبه أكثر إيماناً من بقية الجماعة، وأنه وحده على حق فيما الآخرون على خطأ وضلال .

الدعوة إلى التسامح والاعتدال ليست مجرد دعوة أخلاقية في ظرفنا الراهن، إنما هي واجب على عاتق الجميع مهما تعددت تلاوينهم الفكرية لمواجهة الهاوية التي تندفع إليها مجتمعاتنا .

ويتطلب هذا رد الاعتبار إلى العمل الإصلاحي الإسلامي والتنويري الذي عرفناه في مراحل سابقة من تاريخنا، بوصف هذا العمل فضاءً يتسع لحقول الفكر والتربية والمعارف والأخلاق، ونبذ التطرف والتعصب من حيث هما نفيٌ للآخر وإيمان بالمطلق، وتعلم القدرة على التعايش مع الأفكار الأخرى، ومقارعتها بالحجة وقوة المنطق لا منطق القوة .