أحد ضحايا الأزمة الحالية يتعلق ب «العقد الاجتماعي»… والمقصود بالعقد
الاجتماعي ليس بالضرورة الدستور المكتوب، وإنما يتمثل في مجموع التوقعات
المغروسة في نفس الإنسان عندما يعيش في بيئة اجتماعية – سياسية، وإن
الإنسان يتنازل عن بعض حقوقه للسلطة القائمة مقابل الحصول على الحماية
والأمن والمحافظة على الكرامة.
العقد الاجتماعي – بهذا المفهوم –
يتولد تلقائيّاً منذ ولادة الفرد ضمن مجتمع مَّا، إذ يكبر الفرد ليعطي
السلطة شرعيتها، وذلك من خلال موافقته على تولي السلطة تنظيم الشأن العام
وتحديد مسار حياته وحياة الآخرين ضمن إطار من التوقعات العقلانية (المكتوبة
وغير المكتوبة).
المواطن في أي بلد ينظر إلى الحقوق من عدة زوايا،
فهناك الحقوق السياسية، ومن أهمها حقُّ المواطن في المشاركة في إدارة الشأن
العام بحسب الطرح الديمقراطي المتعارف عليه دوليّاً. والمواطن – بغض النظر
عن انتمائه أو خلفيته – يطمح ويسعى دائماً إلى أن يعامل بصورة إنسانية
راقية بأن تكون له فرصة لممارسة حقه السياسي من دون انتقاص. وفي حال تم
انتقاص هذا الحق؛ فإن هناك مهدئات «مؤقتة»، مثل العطايا التي توزعها الدولة
على الجميع، أو ضمان مستوى معيشة محترم، إلخ.
هناك حقوق من نوع آخر،
وهي الحقوق المدنية التي تتعلق بمساواة المواطن في المعاملات مع غيره من
المواطنين، بما في ذلك الحصول على الخدمات التي توفرها الدولة في العمل
والصحة والتعليم والإسكان والتنقل والتمتع بالطبيعة وتوافر البنية التحتية،
إلخ… وفي هذا المجال؛ فإن المواطن يقنع بما توفره الدولة شريطة أن تكون
هناك «مساواة مع غيره» ممن يعيش معه في الحدود الجغرافية التابعة للدولة.
أما إذا استنقصت الحقوق المدنية بشكل فاضح؛ فإن العقد الاجتماعي يتخلخل؛
لأن الإنسان بطبعه يرفض أن يحتقر أو يستصغر أمام غيره، أو يتم تنزيل درجته
المدنية مقارنة مع الآخرين.
ما نحتاج إليه هو إيجاد وسائل لإعادة
تكوين «عقد اجتماعي» يجمع المواطنين على حقوق مدنية متساوية بصورة لا لبس
فيها، وأن نحقق تماسكاً اجتماعيّاً يحفظ الشرعية السياسية. كما اننا بحاجة
الى منظومة متطورة تتناسب مع العصر لضمان الحقوق للجميع. وبحرينيّاً؛ فإننا
ملزمون بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولذلك فإن تنفيذ
هذا العهد على أرض الواقع يجب أن يكون من أولويات العمل الوطني.