المنشور

لمن لا يستفيد من التجارب… يكفي النظر للشارع

في العام 2010 طالبت بعض الأصوات الحكم بإعطاء بعض المكاسب للمعارضة في
داخل البرلمان من أجل أن تثبت لجماهيرها، أن قرارها بالمشاركة في العملية
السياسية قرار صائب ويمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية حتى وإن كان البرلمان
البحريني يعاني من إعاقة شبه كاملة.

هذه الأصوات حتى وإن كانت محسوبة
على الحكم فإنها تنبهت للمأزق الذي وصلت إليه البحرين، بفرض حالة من
الديمقراطية المنقوصة، (قولوا ما تشاءون ونفعل ما نشاء)، فالكثير من
الملفات المفصلية لم يتم حلها، أو حتى مناقشتها بشيء من الجدية، ما يؤكد
عدم استعداد الحكم لتقديم أي تنازلات حتى وإن كانت بسيطة.

فعلى رغم
مرور 6 سنوات – في ذلك الوقت – على بدء التجربة النيابية فإنها لم تستطع أن
تقدم للناس شيئا يذكر، ليس من الناحية السياسية فقط، وإنما من جميع
النواحي الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.

هذه الأصوات تنبهت وحذرت
من أن عدم الاستمرار في الإصلاحات يمكن أن يحرج القوى المعارضة المشاركة في
العملية السياسية أي الجمعيات السياسية المعتدلة، ما يبعد الشارع عنها
ويهيئ لظهور قوى سياسية أكثر تشددا وتطرفا، ولكن أحدا في السلطة لم يأخذ
ذلك على محمل الجد.

فملفات، كملف أملاك الدولة التي تم نهبها في وضح
النهار، حيث بينت لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة أن هناك أكثر من
65 كيلومترا مربعا قد تم نهبها من الدولة وتحولت إلى أملاك خاصة، وملف
التجنيس السياسي، الذي غير من التركيبة الديمغرافية في البلد وخلق مشاكل
عديدة، وملف الإصلاحات الدستورية، والدوائر الانتخابية العادلة، وملف
الإسكان الذي وصل عدد قائمة الانتظار فيه إلى أكثر من 52 ألف أسرة بحرينية،
وتدني المستوى المعيشي للغالبية العظمى من المجتمع، كلها ملفات ظلت عالقة
ومغفلة ولم يتم حلها.

وذلك ما أدى إلى خروج الناس إلى الشارع في
فبراير/ شباط من العام 2011، ساخطين ليس فقط على الحكومة وإنما على القوى
المعارضة أيضا التي لم تستطع أن تقدم لهم شيئا.

الوضع يتكرر الآن مع
بداية حوار التوافق الوطني، وكأن الجميع لم يستفد من التجربة السابقة في
إغفال المطالب الشعبية، ومحاولة التحايل عليها، والإصرار على عدم تقديم أي
مخرج من الأزمة، فمحاولة تعطيل الحوار، ووضع العراقيل، والاستمرار في لعبة
التخوين، لن يحرج فقط القوى المعارضة الداخلة في عملية الحوار، وإنما سيعمق
من الأزمة الدائرة ويزيدها اشتعالا، ولربما يدخلها في مرحلة أكثر خطورة إن
فشل الحوار في الوصول إلى حلول ترضي طموح الناس، وليس توافقات لذر الرماد
في العيون.

إن من يراهن على عامل الوقت لتمييع المطالب الشعبية، لابد
أنه واهم، ولا يقرأ الوضع السياسي في البحرين قراءة صحيحة، ويكفي النظر
لما حصل في الشارع البحريني أمس وتجارب الدول الأخرى.